الخبر وما وراء الخبر

الحرب النفسية: أحد أوجه الصراع المُحتدم

49

بقلم / محمد علي جعفر

في وقتٍ تتجه فيه الأطراف نحو استخدام أساليب القوة الناعمة، تظهر الحرب النفسية كوسيلة قديمة جديدة في الصراع. فيما يتزامن اشتداد الحرب النفسية مع التحوُّل من الحرب الصلبة العسكرية الى سعي الأطراف كافة للإستفادة من نتائج هذه الحرب وتجييرها عبر استخدامها بأسلوبٍ ناعم. وهو الأمر الذي باتت تشهد عليه الظروف الحالية وسلوك الأطراف المختلفة. فما هي أهم أوجه هذه الحرب الحالية؟

منذ أيام خرجت مسرحية نتنياهو في الأمم المتحدة حول مخازن الأسلحة النووية في لبنان وإيران، وبدأت التحليلات تتحدث عن التحضير لحربٍ اسرائيلية. خطاب نتنياهو جاء ضمن الحرب النفسية، وردَّات الفعل كذلك. وهنا فإن استخدام الأساليب الناعمة النفسية لا ينفي الحرب العسكرية كما يعتقد البعض، بل تُستخدم في كافة الإحتمالات. لنقول أن الحرب النفسية ليست بديلاً عن الحرب العسكرية دوماً، بل قد تكون مقدمة أو نتيجة لها.

في مقابل الخطاب، جاءت ردة الفعل اللبنانية الرسمية وكذلك الإيرانية، لتكون ضمن مسار هذه الحرب. عزَّز هذا الرد اللبناني رسمياً وشعبياً، معادلة الردع الإستراتيجي التي باتت واقعاً مواجهاً للكيان الإسرائيلي، ومرتبطاً بعناصر القوة المتعلقة بالأمن القومي اللبناني. فيما تأتي هذه الأفعال وردود الأفعال ضمن الحرب غير المباشرة، التي تُشن على محور المقاومة، في محاولة للتخفيف من انتصاراته الميدانية المتتالية.

عدة مظاهر ليست بجديدة أبرزت في السابق مكانة الحرب النفسية في الصراع المُحتدم. لتكون الأساليب الحالية ضمن السياق والمسار الإستراتيجي المرسوم للمنطقة. دون أن يعني ذلك نجاح الخيارات الأمريكية، بل إن تحليل السلوك الأمريكي الإسرائيلي الحالي يدل على أن ما يُعتمد حالياً من أساليب ناعمة في الصراع، هو نتيجة لفشل الأساليب السابقة.

في كتابه “عصر المقاومة وصناعة النصر (1982/2017)” يُشير الكاتب حسن حردان الى نقاط القوة التي ساهمت في انتصار حزب الله منذ 1982 وصولاً الى الحرب السورية. يسرد الكاتب في إحدى الفصول مظاهر الحرب غير المباشرة على حزب الله. هذه المظاهر هي في الحقيقة أساليب ناعمة جاءت ضمن حربٍ باردة نفسية لم تؤت ثمارها. من القرار 1559 مروراً بتجيير نتائج اغتيال الشهيد رفيق الحريري على الصعيد السياسي وصولاً الى المحكمة الدولية. في العام 2010 اعترف السفير الأمريكي السابق في لبنان هنري فيلتمان، بأن الولايات المتحدة خصصت مبالغ خيالية لتمويل حربٍ إعلامية وسياسية ضد حزب الله عبر وسائل إعلام ومؤسسات ذات طابع دولي وهو ما كشفه موقع ويكيليكس لاحقاً حول دور السفارة الأمريكية في بيروت.

بالعودة الى السنوات السابقة فيبدو واضحاً أن الغزو العسكري الأمريكي للعراق كان مقدمة لتدمير الدولة العراقية على أسس قومية ومذهبية والعبور نحو المنطقة كما يُشير بريجنسكي الذي يعتبر أن إحكام السيطرة على الشرق الأوسط يبدأ من البوابة العراقية. وهو ما لحقته استراتيجية “الشرق الأوسط الجديد” والتي روَّج لها المحافظون الجدد. اليوم تعود الإدارة الأمريكية لإستخدام هذا الأسلوب الناعم ضد إيران، من خلال إدارة حربٍ نفسية وإعلامية هادفة لتحريك القوميات لا سيما الكردية، وهو ما يبدو أنه المهمة الأصلية لمجموعة العمل حول إيران والتي أعلن عن تشكيلها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في آب الماضي. يُعزز هذا التوجه الأمريكي التحليل الذي كتبه “زاك هووف” الخبير في الشؤون الكردية في صحيفة “جيروزاليم بوست” أمس، حول الدور الذي يمكن أن يلعبه الأكراد في الحرب الأمريكية السياسيةو الإعلامية ضد ايران.

* نتائج الإنتصارات ودورها في الحرب النفسية لمحور المقاومة

عدة أمور عززتها انتصارات محور المقاومة يمكن أن تساهم في نجاح الحرب النفسية المضادة نذكر أهمها:

أولاً: عززت الإنتصارات من البيئة الإستراتيجية لمحور المقاومة والدعم الشعبوي لخيار المقاومة وتعزيزه في الوعي العربي ما أضعف النهج العربي القائم على الخنوع للمشروع الأمريكي.

ثانياً: رفعت الإنتصارات منسوب القلق الإسرائيلي من قدرات محور المقاومة والشبكة التي بات يتضمنها المحور والممتدة من سوريا الى لبنان فإيران وفلسطين والعراق واليمن.

ثالثاً: أنهت الإنتصارات الهيمنة الأميركية والغربية على النظام العالمي والقرار الدولي، وأنشأت نظاماً متعدد الأقطاب يضم محور المقاومة وحلفائه المنافسين لواشنطن كروسيا والصين.

تدخل الصراعات الحالية مرحلة جديدة عبر استخدام أساليب الحرب النفسية وتفعيلها من جديد. أساليب تقوم على استخدام الخداع ضد الجمهور والرأي العام، يلعب فيها الإعلام دوراً أساسياً. وهو ما بات يحتاج الى استراتيجية قادرة على تحويل نقاط القوة التي خلفتها الإنتصارات وتجييرها في خدمة هذه الحرب.

العهد