الخبر وما وراء الخبر

حرب العدوان الاقتصادية.. من تهديد السفير الأمريكي إلى تراجع قيمة الريال اليمني

46

المسيرة: إبراهيم السراجي

بعدَ فشلِ مفاوضات الكويت بأيام، أي قبل عامين، كشف الوفدُ الوطني عن تهديد صريح ومباشر وجهه السفير الأمريكي ماثيو تولر أعضاء الوفد بأنه سيتم نقلُ البنك المركزي اليمني وجعل العُملة المحلية (الريال) لا تساوي قيمةَ الورق الذي تطبع به.. تهديدٌ تم الكشف عنه في وقت كانت العُملة المحلية ما تزال محافظة على قيمتها 215 ريالاً مقابل الدولار الواحد، أي أن الكشفَ عن المؤامرة جاء مبكراً وليس محاولة للتنصل من أية مسؤولية.

وفي أغسطس 2017، كشف رئيسُ الوفد الوطني والناطق باسم أنصار الله محمد عبدالسلام للشعب كله وأمام حكماء وعقلاء اليمن أن السفيرَ الأمريكي طالب الوفدَ في مسقط بالتوقيع على ورقة استسلامية، وبحسب عبدالسلام، قال السفير الأمريكي حينها: “أمامكم الآن صفقة أما أن توقعوها وإما الحصار الاقتصادي، سننقل البنك وسنمنعُ الإيرادات وسنغلق مطار صنعاء”.. وقالها بالحرف الواحد وفي حضور الجميع، ولم يتوانَ السفير الأمريكي حينَها عن التهديد بجعل العُملة المحلية لا تساوي قيمة الورق الذي تطبع به، وهو ما يتجلى اليومَ في أوضح صوره في ظل الانخفاض المتواصل لقيمة الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية.

تحالُفُ العدوان وعبر حكومة المرتزقة نفّذ تهديداتِ السفير الأمريكي حرفياً عبر طباعة مئات المليارات من العُملة دون غطاء من النقد الأجنبي، الأمر الذي أدّى للانخفاض المتواصل لقيمة الريال، ليس هذا وحسب، بل إن ما تمت طباعته لم يُصرَفُ على الشعب منها ريالٌ واحدٌ في ظل قيام حكومة المرتزقة بقطع المرتبات، واستغلت الأموال المطبوعة في شراء العُملة الأجنبية وتهريبها للخارج، وبالتالي أصبحت هناك نتائجٌ مضاعفة لتلك الخطوات التي هدّد بها السفير الأمريكي.

يحدُثُ كل هذا في وقت يتسلمُ وزراء ومسؤولو وقادة حكومة المرتزقة المدنيون والعسكريون مرتبات باهظة بالدولار الأمريكي، فيما تتمدّد المجاعةُ في أكثرَ من منطقة في اليمن وتشهد البلادُ حالاتِ وفاة لأطفال؛ بسببِ الجوع، كما حدث للطفلة “هند” قبل أيام في مدينة عدن المحتلّة والتي توفت نتيجة عجز والدها عن توفير الطعام لها.

وفيما ظن السفير الأمريكي وتحالف العدوان أن الحربَ الاقتصادية العقابية قد تؤدي لإركاع الشعب وجعله ينقلبُ على القوى الوطنية المناهضة للعدوان، إلا أن شيوعَ الفقر والمجاعة في كل مناطق اليمن بما فيها المناطق الواقعة تحت الاحتلال منذ أكثرَ من ثلاث سنوات، خلق وعياً لدى الشعب في الشمال والجنوب على حَدٍّ سواء بمن فيهم الذين خُدعوا بشعارات دول العدوان، وعيٌ جعل الكثيرَ من مسؤولي المرتزقة يعترفون بمسؤولية العدوان وحكومة المرتزقة نفسِها عن التدهور الاقتصادي، ولكن عبر تبادل الاتهامات لبعضهم البعض.

وعلى سبيل المثال، اتّهم المرتزِق خالد بحاح رئيس حكومة المرتزقة ونائب الفار هادي سابقاً، حكومةَ المرتزقة الحالية برئاسة المرتزق أحمد عبيد بن دغر بانتهاج سياسة اقتصادية تدميرية ونهب إيرادات النفط والغاز.

وقال بحاح قبل عدة أشهر عبر صفحته الرسمية بموقع تويتر إن “طباعةَ النقد ع المكشوف ورميه في السوق دون تدبير ورقابة، أدت لنتائج كارثية فاقمت فقر المواطن”، مضيفاً أن طباعةَ المئات من المليارات من العُملة المحلية ستجعل قيمة الريال اليمني لا يساوي كلفةَ طباعته.

وقبل ذلك وفي أكتوبر 2017، أكد المرتزق بحاح أن حكومة المرتزقة الحالية نهبت 700 مليار دولار من إيرادات نفط المسيلة فقط خلال عام واحد فقط، مشيراً إلى أن لديه وثائقَ تُثبِتُ ذلك، بالإضافة إلى تأكيده أن عمليةَ نهب إيرادات النفط مستمرة.

أما المرتزق عبدالله نعمان -أمين عام التنظيم الناصري- فاتّهم، في تصريحات يوم الخميس الماضي، تحالفَ العدوان بالوقوف وراء التدهور الاقتصادي، معتبراً أن منع تحالف العدوان لحكومة المرتزقة من بسط نفوذها على المناطق المحتلّة سبب التدهور الاقتصادي، مؤكداً أن لك أدّى إلى “الانهيار المتسارع للعُملة الوطنية مع اتساع رقعة الفقر والبطالة وتفشي ظاهرة الفساد بشكل غير مسبوق”.

ودعا المرتزق نعمان إلى حوار بين ما وصفها “الشرعية والتحالف الداعم لها تُطرح فيه كافة المخاوف والمصالح والأخطاء وجوانب القصور التي رافقت إدارة الأزمة”.

وفيما كانت حكومة الإنقاذ الوطني والقوى المناهضة للعدوان تحذّر من تداعياتِ طباعة العُملة المحلية على قيمة الريال اليمني، كانت قوى المرتزقة ما تزالُ على حالها مساندةً لسياسة العدوان وحكومة الفارّ هادي في طباعة ما يقرب من تريليونَي ريال بدون غطاء من النقد الأجنبي، لكنها وجدت اليوم نفسَها في مواجهة مع غضب الشعب اليمني في الشمال والجنوب؛ ولذلك بدأت تتنصل من المسؤولية.

وفي هذا السياق، دعا الشيخ المؤيد للعدوان والقيادي بحزب الإصلاح جعبل طعيمان إلى وقف طباعة العُملة، متهماً حكومة المرتزقة بصرف إيرادات اليمن بشكل غير قانوني.

وقال طعميان عبر صفحته بموقع الفيسبوك مخاطِباً حكومةَ المرتزقة: “أوقفوا المطبوعات النقدية الجديدة، وأوقفوا استيراد جميع الكماليات، وامنعوا الطباعة النقدية بدون غطاء، اوقفوا صرفَ المال العام غير المبوب بأوجه صرف معتمدة، وفعلوا الصادرات مثل الغاز، والنفط، الملح، السمك، فعّلوا الضرائب والجمارك، اصرفوا المرتبات الضرورية بالعُملة المحلية”.

ما يعانيه المواطن اليوم من أزمة إنسانية وارتفاع للأسعار لا يقتصر فقط على مؤامرة تدمير العُملة الوطنية، بل يمتد بجانب تداعيات الحصار والعدوان إلى الفساد الكبير لمسؤولي حكومة المرتزقة، فساد باتت تصفُه شخصياتٌ بارزة ومؤيدة للعدوان بأنه غير مسبوق.

وعلى سبيل المثال، اتّهم المرتزق عبدالعزيز المفلحي في خطاب استقالته من منصب محافظ عدن، في نوفمبر الماضي، حكومة المرتزق بن دغر بممارسة فساد لم يسبقها إليه أحد من قبل.

وقال المرتزق المفلحي إنه خلال فترة عمله واجه “حرباً ضارية مع معسكر كبير للفساد كتائبه مدربة وحصونه محمية بحراسة يقودها رئيسُ الحكومة أحمد عبيد بن دغر”، وأضاف مخاطباً الفار هادي “أقول بصريح العبارة إنَّ الفساد المتفشي في حكومة بن دغر، ملأت روائحه الكريهة أجواء اليمن ومدناً شتى في العالم، وقد أصاب البلاءُ البلاد”.

وأضاف أن “ارتفاع الأسعار بالتزامن مع الانهيار السريع والمُخيف للعُملة المحلية أمام العملات الأجنبية تقفُ وراءَه قوى وجهاتٌ لا تحب الخير لسكان ومدينة عدن، وكل همها تسخير كافة الجهود والمقدرات لخدمة أجنداتها ومصالحها الشخصية الضيقة على حساب المصلحة العامة العليا، غير آبهة بمدى تأثيرها السلبي على العباد والبلاد”.

تشديد الحرب الاقتصادية
لم يكتفِ دولُ العدوان وحكومة المرتزقة بما حدث ويحدُثُ من ارتفاع للأسعار وانخفاض للعُملة المحلية وتوسع رقعة الفقر وتفشّي المجاعة، بل إنها أظهرت خلال الأيام القليلة الماضي نيةً واضحةً لقطع كل أمل أمام اليمنيين، حَيْــثُ شنت دول العدوان هجوماً ما يزالُ متواصلاً على منظّمات الأمم المتحدة، وأمرت حكومة الفار هادي باتخاذ قرارات لقطع المساعدات الإنسانية عن اليمنيين بشكل صريح.

وفي هذا السياق ذكرت قناة العربية السعودية، أمس الأول، أن ما وصفتها الشرعية “قرّرت تعليقَ خطة الاستجابة الإنسانية؛ بسببِ اعتماد الأمم المتحدة على بيانات مغلوطة”.

وزعمت حكومة الفار هادي أن سببَ قرارها هو اعتماد الأمم المتحدة على بيانات قدّمتها وزارة التخطيط التابعة لما وصفتها “حكومة الانقلاب”.

وأشارت القناة إلى أن وزارة التخطيط التابعة لحكومة الفار هادي “أرسلت خطاباً للأمم المتحدة بإيقاف خطة الاستجابة الإنسانية للعام 2019″.

وبحسب مسؤولين بمنظّمات الأمم المتحدة فإنَّه من شأن القرار أن يضاعِفَ المأساة الإنسانية في اليمن، حَيْــثُ سيتم حرمانُ ملايين اليمنيين من مصدر المساعدات الوحيد عبر منظّمات الأمم المتحدة.

وكان مارك لوكوك -وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية- حذّر من مخاطر حدوث مجاعة وشيكة في اليمن تسفر عن خسارة هائلة في الأرواح.

وقال في إحاطته أمام مجلس الأمن في 21 سبتمبر الماضي “إننا نخسر الحرب ضد المجاعة. الوضع قد تدهور بشكل مثير للقلق خلال الأسابيع الأخيرة. قد نقترب الآن من نقطة اللاعودة، سيكون من المستحيل بعدها منع وقوع خسارة هائلة في الأرواح؛ نتيجة انتشار المجاعة بأنحاء اليمن”.

أخيراً، يبدو واضحاً للشعب اليمني أن دولَ العدوان وحكومة المرتزقة تنفّذ حرباً انتقاميةً جراء فشلها العسكري وإخفاقها في إجبار الشعب اليمني على القبول بعدوانها واحتلالها لمحافظات اليمن، غير أن قيادةَ الجيش واللجان الشعبية توعدت، أمس الأول، بضربات قاصمة لدول العدوان تستهدف بنيتها الاقتصادية حتى تتوقف حربها الاقتصادية على الشعب اليمني.