الخبر وما وراء الخبر

رياح التطبيع تهبّ على الناطقين بلسان الضاد

46

يُحسب لكيان العدو أنه سبّاق في استخدام التكنولوجيا الحديثة واستغلالها والاستفادة منها على أحسن نحو ممكن، وهذا الكلام بكل تأكيد ليس بالجديد خاصة إذا ما أردنا الحديث عن اكتشاف الصهاينة لأهمية الإعلام لتسويق أفكارهم ونشرها في جميع أنحاء العالم وإيصال فكرة مفادها أن الإسرائيليين يريدون العيش بسلام إلى جوار الشعب الفلسطيني ونجحوا في إقناع الغرب بتقبّل فكرتهم ونشرها وتعويمها وإلباسها بقناع مزيف سقط تدريجياً عبر السنوات السبعين لقدوم هؤلاء إلى منطقتنا.

“تيودور هرتزل” كان من أوائل الذي اعتمدوا أسلوب “البروباغندا” الإعلامية واكتشفوا أهميتها، وكان ذلك حينها عبر تشكيله لجريدة “العالم” لكسب عواطف شعوب العالم تجاه اليهود، أما ومع دخول العالم الحياة الرقمية وتغير الأسلوب دون تغيير المحتوى، اندفعت “إسرائيل” بكل كيانها وقادتها للسباق من أجل استغلال التكنولوجيا الحديثة وكان ذلك هذه المرة عبر “وسائل التواصل الاجتماعي” التي من شأنها أن تسهّل اختراق أي مجتمع عربي مهما كان محافظاً عبر هذه الوسائل، وبهذا يمكنها أن تتفاعل مع الشباب العربي من دون أي “فلاتر” عبر “فيسبوك” و”تويتر” وغيرها من البرامج التي يستخدمها ملايين العرب.

أهمية هذا الموضوع بالنسبة للكيان الإسرائيلي تحدث عنها يوناتان غونين، رئيس قسم الدبلوماسيّة الرقميّة، الذي قال لموقع (المصدر) الإسرائيليّ، شبه الرسميّ إنّه في منطقة الشرق الأوسط يعيش نحو 400 مليون عربي، من بينهم 145 مليوناً يستخدمون الإنترنت و80 مليونا منهم يستخدمون الفيسبوك، وتابع: لقد أدركنا منذ أن أسسنا القسم في عام 2011 أنّ أفضل وسيلة للتواصل مع الشباب العربي هي الفيسبوك، الذي أصبح الوسيلة الأقوى تأثيراً على الرأي العام، ووفقاً للإحصاءات الرسميّة للوزارة يبلغ عدد متابعي صفحة الفيسبوك التي يديرها قسم الدبلوماسية الرقمية أكثر من 910 آلاف متابع، أكثرهم في سن 18 حتى 24 عاماً، ويعيش معظم المتابعين في مصر، لكن هناك آخرين في العراق والمغرب والأردن وفلسطين ويشاركون في التعليقات على صفحاتهم.

العراق

بعد أن أطلقت وزارة الخارجية الإسرائيلية صفحة على فيسبوك باسم “إسرائيل تتكلم بالعربية ” منذ حوالي سبع سنوات، وتمت إدارتها بشكل حرفي من قبل أشخاص متخصصين لديهم إدراك واضح لطبيعة المجتمعات العربية، ويديرها العقيد “أفيخاي أدرعي” وهدفها تحسين صورة “إسرائيل” في البلاد العربية واختراق الفئة الشابة وزرع أفكار مسمومة في عقول هؤلاء الشباب عبر “دس السم بالعسل” وطرح مواضيع معينة غايتها إشعال النقاش بين المتابعين للصفحة لكي يتمكن الصهاينة من تكوين فهم أكبر عن طبيعة هذه المجتمعات والبحث عن اختراقها كلما سنحت الفرصة.

بعد أن تم إطلاق هذه الصفحة وجد الإسرائيليون أن هناك متابعة كبيرة للصفحة حوالي 300 ألف، وقد دفعت تلك الأرقام وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى إطلاق صفحة جديدة على موقع فيسبوك باسم “إسرائيل باللهجة العراقية”، وهي مصممة خصيصاً للجمهور العراقي.

إطلاق هذه الصفحة يهدف إلى اختراق المجتمع العراقي واستغلال أزماته وحالة الفوضى المنتشرة هناك عقب طرد عناصر تنظيم داعش الإرهابي، وهنا وجد الصهاينة في هذا الأمر فرصة ذهبية لاختراق العراق وبث التفرقة وخلق الفتن بين العراقيين وطوائفهم المتعددة، وخلق حالة من الفوضى وزعزعة الأمن والاستقرار داخل تلك البلاد.

الكيان الإسرائيلي يستغل الوجود التاريخي لليهود في العراق، والدخول عبر البوابة التاريخية، العراقيون لا يمتلكون مشكلة مع اليهود كدين، هم لا يمتلكون مشكلة مع أي دين، ولكن هذا لا ينفي مشكلتهم مع الكيان الإسرائيلي.

الشعب العراقي يدرك أن الكيان الإسرائيلي هو العدو الأكبر، ولاسيّما بعد أحداث داعش الأخيرة نظراً لوجود قناعة راسخة لدى شريحة واسعة من العراقيين بأن أمريكا والكيان الإسرائيلي هم من يقف خلف هذه الجماعات التكفيرية.

هناك من سيحاول استغلال الفرصة والحديث عن حوار شعوب وحضارات، إلا أن الواقع مختلف تماماً فالكثير من الحسابات التي تتحدّث باللهجة العراقية، ومقرها في اسرائيل، ستكون خلف هذه الدعوات.

هناك الكثير من الحسابات الأخرى باللهجات المحلية للدول العربية، تسعى لإثارة الفتنة السنية – الشيعية، العربية – الكرديّة، العربية – الفارسيّة، وحتى بين الدول، ومقرّ هذه الحسابات هو الكيان الإسرائيلي.

وستبث الكثير من الشائعات فيما يتعلق بهذه الصحفة، ولكنها في الحقيقة حسابات إسرائيلية بالكامل، وحتى بعض من سيجيب عليها ويهاجمها سيكون إسرائيلياً لتشجيع الشباب العراقي على المهاجمة كخطوة أولى على سبيل التواصل.

طبعاً غاية الصهاينة لا تنصب فقط على العراق فهي موجهة لجميع الدول العربية لزرع أفكار الصهيونية والتأثير على أفكار الشباب قدر الإمكان وحرف هذا التفكير لمصلحة كيان الاحتلال، عبر طرح أفكار الصهيونية بطريقة ناعمة وسلسة ومدروسة وبأشكال مختلفة، قد تكون بدايتها جذابة مثلما فعلت “إسرائيل” قبل عدة أشهر مع انطلاقة كأس العالم، ولكونها تعرف مدى أهمية هذا الموضوع بالنسبة للعرب عمدت إلى الترويج لخبر بث في هيئة البث الإسرائيلية، عبر قناتها باللغة العربية “مكان” مباريات نهائيات كأس العالم 2018، بحيث يستطيع المشاهدون العرب من الأردن، ولبنان، ومصر، والضفة الغربية المحتلة متابعة المباراة، مجاناً ودون الاشتراك بباقات الدّفع، وعدّ وقِس على ذلك من الأساليب الأخرى الأكثر حرفية والتي يجب مواجهتها والقيام بحملات مضادة لإحباط تأثير الصهاينة على شريحة الشباب العربي.