الأوروبيون يصدمون ترامب بتمردهم عليه وتأسيسهم لآلية جديدة مع إيران
تقرير: وكالة الصحافة اليمنية
النظام ذو الآلية المحددة الأهداف يجعل النفط الإيراني وسيلة للدفع مقابل ما تشتريه طهران من المنتجات الأوروبية
بشعار “أمريكا أولاً” ومناهضة نظام العولمة وحماية السيادة الأمريكية، خاطب ترامب المشاركين في الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ73، فمدح نفسه أولاً، ثم حشد التعبئة ضد إيران، فنالت طهران نصيب الأسد من خطبته، حيث هاجم بقوة ما وصفها بـ”الديكتاتورية الفاسدة” في طهران.
وبالتزامن مع خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي دعا فيه إلى “عزل إيران”، وخطاب الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي يرد فيه على هذه الدعوات، أقامت منظمة “متحدون ضد إيران النووية” مؤتمرها السنوي العاشر في نيويورك، لمناقشة ما تصفه بـ”سلوك إيران المهدِد لاستقرار منطقة الشرق الأوسط”.
وقد شهدت كلمة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو خلال المؤتمر مقاطعات من محتجين يحملون لافتات تدعو إلى السلام مع إيران، ومن بين المتحدثين أمام المؤتمر مستشار الرئيس ترامب للأمن القومي جون بولتون ورئيس الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين، كما شارك في إحدى جلساته وزير الخارجية السعودي عادل الجبير والسفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة.
وتصدر ملف إيران أعمال التجمع الأكبر للدبلوماسية الدولية هذا العام برسم خطوط جديدة لتحالفات بشأن كيفية التعامل مع هذا الملف الشائك، ففي مقابل التحرك المناهض لإيران، شهدت أروقة الأمم المتحدة موقفًا آخر تمثل في تحرك الاتحاد الأوروبي إلى جانب روسيا والصين لتأكيد التزام هذه الدول بالاتفاق النووي الإيراني رغم انسحاب الولايات المتحدة منه، وإعلان آلية جديدة مع طهران للرد على العقوبات الأمريكية.
مناورة أوروبية جديدة
“اتفقت الدول على مقترحات لتطوير قنوات الدفع عبر إيجاد آلية لتسهيل الدفع المرتبط بالصادرات والواردات الإيرانية كالنفط”، بهذه الكلمات أعلنت منسقة الساسية الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني مع وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف قرار الاتحاد الأوروبي مدعومًا من موسكو وبكين بإيجاد آلية لتسهيل المعاملات المالية المشروعة مع إيران.
جاءت الخطوة إثر اجتماع سداسي خُصص للرد على العقوبات الأمريكية، في خطوة تشكل ضربة قاسية للولايات المتحدة عشية خطاب ترامب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد أدانت الاتفاق النووي مع إيران الذي وُقع عام 2015، فإن الدول الموقعة تريد الإبقاء على علاقاتها التجارية مع طهران.
الآلية القانونية الجديدة شبهها مختصون ببورصة أو منظومة مقايضة متطورة تتم فيها المبادلات انطلاقًا من بيع النفط الإيراني، وتتيح للشركات المعنية الإفلات من سيف العقوبات الأمريكية، فنظام المقايضة هذا يساعد الأوروبيين والإيرانيين على مواصلة التجارة مع طهران ولا سيما شراء النفط الإيراني.
النظام ذو الآلية المحددة الأهداف – وفق التسمية التي أُطلقت عليه – يجعل النفط الإيراني وسيلة للدفع مقابل ما تشتريه طهران من المنتجات الأوروبية عوضًا عن العملات الأوروبية، فالنفط هو المقابل الوحيد الذي يمكن لإيران تقديمه، فإذا باعت إيران نفطًا إلى إسبانيا وباعت ألمانيا أجهزة إلى إيران، فإن عائدات الشحن النفطية تُستخدم في دفع المبلغ المترتب للشركة الألمانية، كما سيكون هناك غرفة للمقاصة الآلية تتحقق من أن قيمة السلع المصدرة وتلك المستوردة من إيران تعوضان عن بعضهما.
ويعني تأسيس الآلية الجديدة رفض الأطراف المشاركة في الاتفاق النووي مع إيران قرار الإدارة الأمريكية الانسحاب منه، وبالنسية للأوروبيين، فإن المحافظة على الاتفاق النووي يصب في مصلحة المجتمع الدولي، فهم مصممون على إيقافه لتجنب استئناف البرنامج الإيراني الذي يمكن أن يطلق مجددًا السباق إلى السلاح النووي في المنطقة.
كما يعني أيضًا الالتفاف على نظام التحويلات المالية العالمي المعروف باسم “سويفت”، الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة، وبهذا يقوم الأوروبيون وللمرة الأولى بكسر هيمنة الولايات المتحدة على قرارات التجارة العالمية، ويكون ترامب قد نجح أيضًا بأن يعيد التجارة إلى زمن المقايضة.
حجر في بركة الأزمة
يبدو أن القادة الأوروبيين مصممون على المضي في جهودهم لإنقاذ الاتفاق النووي مع إيران، ولو وضعهم ذلك في صدام مع الولايات المتحدة الأمريكية، بحسب مقال تحليلي للكاتب باتريك وينتور بصحيفة “الغارديان” البريطانية، قال فيه إن الصدام يمثل اختبارًا كبيرًا لاستمرارية التحالف الهش بين أمريكا وحلفائها الأوروبيين، حيث فشلت محاولات ألمانيا وفرنسا وبريطانيا في منع ترامب من الانسحاب من صفقة النووي.
ويؤكد هذا الصدام أن التحرك الأوروبي يأتي استباقًا لدخول المرحلة الثانية من العقوبات الأمريكية المشددة على إيران حيز التنفيذ، فالأمر يتعلق بتأسيس كيان للتعاملات المالية أو بورصة تلتفت على العقوبات الأمريكية التي ستطال صادرات النفط الإيراني اعتبارًا من الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
علاوة على ذلك يأتي إعلان هذه الآلية الجديدة في سياق استنفار الساحة الإيرانية عقب الهجوم الذي استهدف عرضًا عسكريًا في مدينة الأهواز ومسارعة طهران لاتهام الولايات المتحدة والسعودية والإمارات بالوقوف ورائه، أضف إلى ذلك تصعيد الخطاب الأمريكي المتواصل ضد إيران، ورود طهران السريعة، وآخرها وصف الحرس الثوري الرئيس الأمريكي بأنه “شرير ومتهور”؛ لشنه حربًا اقتصادية على إيران، على حد وصفه.
غير أن خبراء ماليين أشارو إلى أن أصلها يعود إلى قانون “التعطيل الأوروبي” عام 1996، حيث أقرت الدول الأوروبية حينذاك القانون للالتفاف على العقوبات الأمريكية ضد كوبا وليبيا وإيران، لكنه لم يُفعَّل وقتها، إذ كان التوفق الأوروبي الأمريكي واضحًا في ظل تفرد الولايات المتحدة بالقرار الدولي.
لكن الحال قد تغير في السنوات الأخيرة مع بروز قطب اقتصادي مثل الصين، وآخر سياسي وعسكري كروسيا فضلاً عن أوروبا ذاتها، وربما تجد أوروبا في سياسة “العصا والجزرة” التي يتبعها ترامب تجاه إيران متسعًا لخياراتها، فتغريداته بشأن طهران وبرنامجها النووي تزيد الحيرة حتى عند جزء من أعضاء إدارته.
ولا يُغفل في هذا الإطار أن الدول الستة أكدت التزام إيران ببنود الاتفاق النووي الموقع عام 2015 مستعينين بـ12 تقريرًا لوكالة الطاقة الذرية، وعليه فقد سارعت شركات أوروبية كبرى منذ سريان الاتفاق عام 2016 لعقد صفقات تجارية بمليارات الدولارات مع إيران، لكن آلاف الوظائف باتت مهددة الآن بالإلغاء مع تفعيل عقوبات واشنطن.
تمرد أوروبي أم مجرد اختلاف مرحلي؟
إذا وضعنا في الحسبان أن تجارة أوروبا مع الولايات المتحدة تتجاوز 687 مليار دولار قياسًا مع حجم تجارة أوروبا مع إيران التي تناهز 10 مليارات فقط، فهل يكمن الدافع الأوروبي في محاولة الاستقلال بعد فترة من الركون في ظل الإستراتيجية الأمريكية تجاه القضايا الدولية؟
يجيب رئيس الهيئة التنفيذية للاتحاد الأوروبي جان كلود يونكر بأن على أوروبا الاستعداد للحلول محل الولايات المتحدة وملء الفراغ، فسماح واشنطن بعمل هذه الآلية الجديدة يعني إفراغ عقوباتها من مضمونها، فمعظم واردات الاتحاد الأوروبي من إيران تتمثل في النفط ومشتقاته.
هناك مؤشرات متزايدة على عزوف أوروبا عن الإبقاء على انصياعها للسياسة الأمريكية، فبالإضافة إلى إجماع أوروبا النادر على ضرورة الحفاظ على اتفاق إيران النووي والتمسك به، حتى بعد أن وجهت له الإدارة الأمريكية ضربتها القاسية، فإن في رفض الدول الأوروبية الوازنة تأييد قرار واشنطن نقل سفارتها إلى القدس، دليلاً آخر على تبلور موقف أوروبي جديد.
في المقابل، يشكك البعض في أن تنجح هذه الدول في الالتفاف على العقوبات الأمريكية التي ستدخل حيز التنفيذ في 4 من نوفمبر المقبل، وهي عقوبات تهدف لمنع تصدير النفط الإيراني وتحديد المعاملات المصرفية مع طهران، وقد يكون من المبكر الحكم على نجاح الآلية الأوروبية أمام عقوبات واشنطن الواسعة، خصوصًا أن شركات كبرى مثل “بوينغ وتوتال وإيرباص ورينو” بدأت فعلاً إيقاف تعاقداتها والانسحاب من إيران.
لكن ثمة سؤال يطرح نفسه بقوة عن رد فعل واشنطن تجاه هذه الخطوة التي تحمل من التحدي الكثير، فقد مهدت الدبلوماسية الأمريكية للعقوبات التي ستطال كل من يتعامل مع إيران بعد الـ4 من نوفمبر/تشرين الثاني، ورغم الرفض الأوروبي للقرار سارعت شركات أوروبية بالانسحاب من السوق الإيرانية، تحسبًا لأي عقوبات أمريكية.
علاوة على ذلك أثارت سخط وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الذي قال في اجتماع في نيويورك أمام لوبي “متّحدون ضد إيران نووية” المناهض لحيازة إيران السلاح النووي إن “هذا هو أحد أكثر التدابير المؤدية لنتائج عكسية على السلم والأمن الإقليميين الذي يمكن تخيله”، واتهم بومبيو الاتحاد الأوروبي بـ”تعزيز وضع إيران كأول دولة راعية للإرهاب” في العالم.
كما أن التعهدات التي قطعها ترامب بتحجيم النفوذ الإيراني ونشاطاته تلقى آذانًا مضغية من أطراف أخرى، فالأمر الآن يتعلق أيضًا بمدى استمرار التحالف الأوروبي صامدًا بوجه ضغوطات ترامب، خاصة أن هناك تباينات ظهرت قبل قرار ترامب عن كيفية التعاطي مع الانسحاب الأمريكي، تصاحبها ضغوط إسرائيلية سعودية.