الخبر وما وراء الخبر

الأبعاد الجيوسياسية للعدوان على اليمن.. بين صفقتَي القرن الإسرائيلية والسعوديّة

82

ذمار نيوز | || تقارير || أحمد الحبيشي|صحيفة المسيرة 24 ذو الحجة 1439هـ الموافق 4 سبتمبر، 2018م

* عضو الهيئة الاستشارية للمجلس السياسي الأعلى

لم تكن صُدفةً أن يظهَرَ في إسرَائيلَ مشروعُ تقنين (يهودية الدولة) بعدَ موافَقة العرب والفلسطينيين على المبادَرة السعوديّة في مؤتمر القمّة العربية المنعقد في العاصمة اللبنانية بيروت عام 2002م تحت مسمى “مشروع السلام العربي”، الذي اقترح حلا نهائياً للصراع العربي الفلسطيني يقومُ على إنشاء دولتين إسرَائيلية وفلسطينية على حدود ما قبل 4 يونيو 1967م.

ومما له دلالة أن يبدأَ التحَـرّكُ نحو تقنين (يهودية الدولة) قبل العدوان على اليمن، وصولاً إلى إقراره في الكنيست الإسرَائيلي بعد أن وصل هذا العدوان ذروته في السنة الرابعة من الحرب التي شاركت فيها إسرَائيل، بالتنسيق مع تحالف عربي يسعى إلى إبرام صفقة القرن مع إسرَائيل بقيادة السعوديّة.

تزامن العدوانُ على اليمن مع ظهور تحَـرّكاتٍ سعوديّة إماراتية إسرَائيلية باتجاه تطبيع العلاقات بين هذه الدول والترويج لما يُسمّى مشروع صفقة القرن، وإعلان مدينة القدس عاصمةً للدولة، بالتزامن مع قرارِ الرئيسِ الأميركي نقلَ سفارة بلاده إلى القُدس المحتلة.

صفقةُ القرن الإسرَائيلية

ثمَّةَ سؤالٌ مشروعٌ يتعلقُ بسِـــرِّ تزامن العدوان على اليمن مع بروز مشروع صفقة القرن بين إسرَائيل ودول التحالف السعوديّ، تحت مُسمّى إعَادَة الشرعية إلى اليمن، بموازاة تصاعد السباق الدولي للسيطرة على طرق الملاحة الدولية في أعالي البحار؟

لا يمكن الإجابةُ على هذا السؤال المحوري بدون التعرف على أهميّة موقع اليمن البحري الذي يترابط طولاً وعرضاً، مع أهمّ الموانئ والمضائق والخلجان التي تمر من خلالها طرق الملاحة الدولية في أعالي البحار، وفي مقدمتها مضيق البوسفور التركي وميناء غوادار الباكستاني الصيني وخليج هرمز العُماني الإيراني وخليج عدن اليمني وباب المندب والقرن الأفريقي وبحر العرب على المحيط الهندي.

يتميز موقعُ اليمن البحري بأنه يتكون من ضفتين مائيتين بالإضَافَـة إلى تحكّمه بمضيق باب المندب، وهو أحد المضائق المائية المهمة في العالم؛ باعتباره عنقَ الزجاجة بالنسبة للبحر الأَحْمَـر الذي يتحكم بالطرق التجارية بين الشرق والغرب، ويمر عبره 6 ملايين برميل نفط يومياً بما نسبته 8% من الطلب العالمي على النفط، كما تمر عبره نحو 40 ألف سفينة سنويا.

وتُمَثِّـلُ الشحنات التجارية التي تمر عبر الممر ما يعادل 10% من الشحنات التجارية العالمية، بما يجعله يحتل المرتبة الثالثة عالمياً بعد مضيق هرمز ومضيق ملقا من حيث كمية النفط التي تعبره يومياً، الأمرُ الذي زاد من أهميته الاستراتيجية، وقيمته الاقتصَادية، حيثُ يتيح لليمن التوسع في علاقاتها السياسية والاقتصَادية والعسكريّة، ويمنحها حدوداً طبيعية مثالية لما يشكله البحر من عازلٍ طبيعي بين اليمن وغيرها من البلدان؛ باعتبار أن حماية الحدود البحرية أقل كلفة إذَا قورنت بمتطلبات الحماية للحدود البرية الواسعة التي تحتاج إلى قُــوَّة كبيرة للدفاع عنها، كما يعطيها الأمان لتجارتها الدولية إذَا ما تعرضت جبهاتها الأُخْــرَى لأي تهديد.

كما يمتلكُ اليمنُ العديدَ من الجزر اليمنية ذات الموقع الهام والتي تُضاعف من الأهميّة الاستراتيجية لموقعه البحري، بما تمنحه من ميزة الانتشار، والتوزيع للمراكز التجارية والقواعد البحرية والجوية فجزيرة سقطرى مَثَلاً تشكل عتبة للقفز إلى البر الأسيوي (الجزيرة العربية) وإلى البر الإفريقي، بالإضَافَـة إلى وقوعها على طريق هام لنقل النفط العالمي عن طريق باب المندب وقناة السويس.

نقاطُ القُــوَّة الطبيعية

تتكوَّنُ الجمهورية اليمنية من 22 محافظة على النحو التالي:

أمانةُ العاصمة صنعاء / محافظة عدن / محافظة صنعاء / محافظة عمران / محافظة ذمار/ محافظة صعدة / محافظة تعز/ محافظة إب/ محافظة الحديدة / محافظة ريمة/ محافظة المحويت/ محافظة حجة / محافظة حضرموت / محافظة أرخبيل سقطرى / محافظة شبوة / محافظة المهرة / محافظة مأرب / محافظة البيضاء / محافظة الجوف / محافظة أبين / محافظة لحج / محافظة الضالع.

وترتبط اليمن بجوارها الجغرافي والعالم الخارجي من خلال المنافذ الجوية والبرية والبحرية التالية:

أولاً / منافذ جوية

مطار صنعاء الدولي / مطار عدن الدولي/ مطار تعز الدولي/ مطار الحديدة الدولي/ مطار المكلا الدولي/ مطار سيئون الدولي.

ثانياً / منافذ برية

منفذ حرض/ منفذ البقع/ منفذ الطوال/ منفذ علب/ منفذ شحن/ منفذ صرفيت/ منفذ الوديعة.

ثالثاً / منافذ بحرية

ميناء عدن/ ميناء كالتكس بالمنصورة/ ميناء الزيت بالبريقة/ منفذ رأس العارة على الساحل الغربي بلحج/ ميناء المخاء/ ميناء الحديدة/ ميناء المكلا/ ميناء الضبة/ ميناء نشطون/ ميناء قشن سيحوت/ ميناء بير علي/ ميناء بلحاف/ منفذ بروم/ منفذ ذباب/ ميناء الخوخة/ ميناء الصليف/ ميناء رأس عيسى/ ميناء الخوبة/ ميناء اللحية/ ميناء رضوم/ ميناء ميدي.

المطامعُ الأميركية الاستراتيجية في اليمن

يمكنُ فَهْمُ أبعاد الدور الأميركي في دعم العدوان السعوديّ الإماراتي على اليمن، من خلال التعرف على المصالح الأميركية المتنامية في الجزء الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية، أي في جنوب غرب آسيا.

ومن خلال مشاهدة الخريطة يتضح لنا جلياً أن الـيَـمَـنَ تُعتبَرُ أحَدَ أهمِّ بوابات المنطقة؛ باعْتِبَـارها المتسيّدةَ على البوابة الجنوبية للشرق الأوسط وما يضاعفُ أَهَميَّةَ موقعها، إطلالتُها المباشرة التي منحتها السلطة على أهمّ مضيقٍ في العالم وهو مضيق باب المندب الذي يتحكم بالمنطقة المائية البحرية التي تفصلُ قارة آسيا من ناحية الشرق وإفريقيا من ناحية الغرب، وتربط المحيط الهندي وبحر العرب بالبحر الأبيض المتوسط.

ومن خلال التمعُّن في الخارطة، نلاحظُ انتشارَ الجزر اليمنية في مياهها الإقليمية على امتداد بحر العرب وخليج عدن والبحر الأَحْمَـر، وهذا ما عزّز سلطتها على هذا المضيق الحيوي.

واكتسب هذا المضيقُ أَهَميَّتَه الاستراتيجيةَ منذ افتتاح قناة السويس عام 1869م، ووفَّرت طبيعة الجغرافيا للـيَـمَـن بامتلاكه هذا الموقع سلطةَ التحكم به، دون أن تكونَ بالضرورة تملك القُــوَّة لذلك؛ باعتباره المدخلَ الوحيدَ للبحر الأَحْمَـر، إضَافَـةً إلَـى التداخل الوثيق بين مضيق باب المندب ومضيق هُرمُز؛ باعْتِبَـارهما طريقَين للناقلات المحمّلة بنفط الخليج باتجاه أوروبا، ناهيك عن اعتباره الحزامَ الأمني للجزيرة العربية، وهمزة وصلٍ بين إفريقيا والجزيرة والخليج.

ووفقاً للإحصاءات، يمُـــرُّ في مضيق باب المندب حوالي 6 مليون برميل نفط يومياً، وهذا ببساطة يؤكّد مصلحة الدول الكبرى ودول الإقليم في أَهَميَّة السيطرة على هذا الشريان الدولي الذي تتدفَّقُ منه الطاقة لأهمّ وكُبرى الدول الصناعية الأوروبية، مما دفعها لممارسة دورٍ سياسيٍّ وأمنيٍّ وعسكريٍّ في الأرض الـيَـمَـنية، من خلال فرض تدخُّلٍ واضحٍ في أزمات البلاد وتوجيه مساراتها وشراء الذمم، باتساقٍ متوازٍ مع مصالح تلك الدول منفردةً أَوْ متحالفة.

رُبَّـمَا لا يدركُ البعضُ أن معركةَ السيطرة على الدول التي تمتلكُ موقعاً جغرافياً مهماً كالـيَـمَـن وفرْض الهيمنة عليها، يأتي في سياقِ تمدّد نفوذ الدول الاستعمارية لتضييق الخناق على مصالح دولٍ استعماريةٍ أُخْــرَى تتصارع معها.

ولأن أمريكا تعتبر من دول العالم الجديد، فيما تكمن مراكز الثروة في العالم القديم، فقد كان عليها إيجادُ طريقةٍ لحلِّ هذه المشكلة الكامنة في موقعها الجغرافي البعيدِ عن مواطن تلك الثروات، فلم تجد حلاً غيرَ سيطرتها وفرض هيمنتها على الدول المطلة على أهمِّ الطرق التجارية والمضائق الدولية لتتحكَّم بسَيْرِ عمليةِ نقل الطاقة والتجارة الدولية، وتمارِسُ من خلالها أقوى الضغوطات لإخضاع القوى العالمية التي تنازعها زعامة العالم

كانت الـيَـمَـنُ ولا زالت ضمن دائرة الأطماع الأميركية كونها تتمتعُ بمواصفات الموقع الاستراتيجي الذي يمنح أمريكا امتيازات السيطرة على أهمّ مفاصل طرق التجارة الدولية ونقل الطاقة، مضافاً إليها مخزونَ الثروات الهائلة فيها، فتضمن بذلك أوراقَ الضغط على تجارة الصين الذاهبة إلَـى القارة الأفريقية والأوروبية وضمان قطع الطريق على خطوط نقل الطاقة الروسية التي تطمح روسيا لإنشائها من خلال الاستثمار في مجال الغاز والنفط في الـيَـمَـن، وربطها بخط غاز المتوسط وتوصيله إلَـى أوروبا، أَوْ تحويله إلَـى آسيا، كما تضمنُ بقاء دول أوروبا العظمى في دائرة التبعية لها، وبذلك تكون أمريكا صاحبة اليد العليا في التحكم بالمصير العالمي أمام أقوى الخصوم الدوليين.

أعلنت اليمنُ بعد قيام ثورة 21 سبتمبر 2014 تبنِّي مشروع التحرر من أيَّة وصايةٍ إقليميةٍ أَوْ دوليةٍ، في سعيها لبناء دولة وطنية مستقلةٍ حديثة، وتطهير البلاد من أدوات النفوذ الخارجي، ومراكز الفساد والأوليغارشيات المشايخية والعسكريّة والدينية التي رعنت البلاد بالتبعية للوصاية الأمريكية السعوديّة، وأدركت أمريكا بأن هذه الثورةَ تستهدف بمشروعها الوطني وجودها ومصالحها، ووجدت نفسَها أمام خيار إعَادَة الـيَـمَـن إلى بيت الطاعة الأميركي السعوديّ بالقُــوَّة العسكريّة، فشنَّت عُـدْوَانها البربري بواسطة أذنابها وأدواتها في المنطقة، بعد أن أوعزت للنظام السعوديّ ومشيخات الخليج بإعلان الحرب على الـيَـمَـن واحتلالها عسكريّاً، حتى وصل الأمرُ إلى مشاركتها فعلياً في العمليات العسكريّة، سواءٌ على الأرض أَوْ بالضربات الجوية، لاستعادة نفوذها الذي هدَّدته هذه الثورة بالضياع.

وتأسيساً على ذلك يمكن القول أن العُـدْوَانَ على الـيَـمَـنِ لم يكن من أجلِ إعَادَة شرعية الرئيس المنتهية ولايته عبدربه منصور هادي، أَوْ كما تدّعيه دولُ العُـدْوَان في تبريراتها له، بل من أجل إبقاء هيمنتها على الـيَـمَـن كي تمتصَّ ثرواتها وتستغلَّ موقعَها الاستراتيجي خدمةً لمصالحها التي سيقضي عليها مشروع الدولة الـيَـمَـنية الحديثة المستقلة والقوية الذي تسعى ثورة 21 سبتمبر لتحقيقيه، تلبيةً لطموحات وآمال الشعب في بناء هذه الدولة المنشودة.

اليمنُ والبحرُ الأَحْمَـر

يتميَّزُ البحرُ الأَحْمَـر بموقع جغرافي واستراتيجي مهم؛ لأنَّه ملتقى ثلاث من قارات العالم القديم، وهو حلقة وصل بين مناطق بحرية إقليمية حيوية هي: البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود والقرن الأفريقي والمحيط الهندي وخليج هرمز ومنطقة الخليج.

وتُطِلُّ على البحر الأَحْمَـر ثماني دول منها ستُّ دول عربية هي: المملكة العربية السعوديّة ومصر والسودان والأردن واليمن وجيبوتي، وغير عربية: إريتريا والكيان الصهيوني الغاصب. وتقع أربع دول منها في قارة أفريقيا وهي: مصر والسودان وجيبوتي وإريتريا، والأربع الأُخْــرَى في آسيا هي: السعوديّة والأردن واليمن والكيان الصهيوني.

يستمدُّ البحرُ الأَحْمَـر أهميته الاستراتيجية من موقعه الجغرافي الذي وفر للقوى الإقليمية والعالمية إمكانية الوصول إلى المحيطين الهندي والأطلسي عبره وزادت هذه الأهميّة بعد اكتشاف النفط والغاز في دول الخليج العربية وإيران.

وتكمُنُ أهميّةُ البحر الأَحْمَـر في كونه يُمَثِّـلُ نظاماً فرعياً من إقليم الشرق الأوسط المضطرب والمثير للجدل، والذي يوصف بأنه عالم بلا نهاية وتارةً بأنه نهاية العالم، ويقع في قلب قوس عدم الاستقرار، كما حدّده البروفيسور برجينسكي مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق، وهو القوس الذي يضم الشرق الأوسط والقرن الأفريقي ومنطقة المحيط الهندي. كما يقع ضمن الإطار الجيويولتيكي لمنطقة الخليج الاستراتيجية.

يكتسب البحر الأَحْمَـر أهميّة استراتيجية للأمن القومي العربي في ثلاث دوائر تُمَثِّـلُ الأمن العربي والأفريقي والأمن العالمي مركزها القرن الأفريقي. فهو يعتبر قناة وصل بين البحار والمحيطات المفتوحة ومن هنا تزيد أهميته الاستراتيجية سواء من الناحية العسكريّة أَوْ الاقتصَادية أَوْ الأمنية ناهيك عن أنه الطريق الرئيسي الذى يمر من خلاله نفط وغاز الخليج العربي وإيران إلى الأسواق العالمية في أوروبا، إذ تحتاج أوروبا إلى نقل 60% من احتياجاتها للطاقة عبر البحر الأَحْمَـر، فيما تحتاج الولايات المتحدة الأميركية لنقل نحو 25% من احتياجاتها للنفط عبره.

وللبحر الأَحْمَـر دوره في التجارة الدولية بين أوروبا وآسيا وتقدر السفن التجارية العابرة للبحر الأَحْمَـر سنوياً بأَكْثَــر من أربعين ألف سفينة. وتقع ثروات قاع البحر الأَحْمَـر في نطاق المنطقة الاقتصَادية للدول المطلة عليه، إذ يُمَثِّـلُ العمق الاستراتيجي لكل من السعوديّة ومصر، ويختصر البحر الأَحْمَـر المسافة بين الشرق والغرب ويُتاخم الكثير من المناطق الحساسة ذات التأثير الحيوي مثل منابع النيل وروافده والأماكن المقدسة الإسْـلَامية.

يوجدُ في هذا البحر العديدُ من الجزر والخلجان ذات الأهميّة الاستراتيجية، مثل خليج السويس الذي يشكل ممراً ملاحياً حيوياً، وهو الامتداد الطبيعي لقناة السويس وفيه معظم آبار النفط المصرية ومدخله مضيق مهم هو مضيق جوبال.

أمَّا مضيقُ باب المندب في المدخل الجنوبي للبحر الأَحْمَـر فيمتد في المياه الإقليمية لثلاث دول هي اليمن وجيبوتي وإريتريا، ويستمد أهميته من أنه المنفذ الوحيد المتحكم تماماً في البحر الأَحْمَـر من الناحيتين العسكريّة والتجارية.

أما خليج العقبة فهو المنفذ الوحيد لإسرَائيل نحو أفريقيا وآسيا وزاد من أهميته لمصر وجود الخط الملاحي بين نويبع وميناء العقبة ويعد المنفذ الوحيد للأُردن.

وتتمثّلُ الأهميّةُ الاقتصَاديةُ للبحر الأَحْمَـر في التجارة والملاحة الدوليتين وخَاصَّـةً بعد افتتاح قناة السويس، وكذلك أهميته في الثروة السمكية، حيثُ توجد فيه 300 نوع من الأسماك ويحتوى على ثروات اقتصَادية. فهو من أغنى مناطق الثروة المعدنية البحرية في العالم ويحتوي على نسبة مركزة من الأملاح المعدنية الضرورية لكثير من المعادن الثقيلة كالحديد والذهب والفضة والنحاس والرصاص والمغنسيوم والكالسيوم.

وقد توصلت اللجنةُ السعوديّة السودانية للتنقيب عن المعادن عام 1970 إلى اكتشاف 18 منطقة عميقة تحتوى على معادن وكميات كبيرة من الزنك والرصاص والنحاس الأصفر والفضة والكادميوم والمنجنيز والحديد ومعادن أُخْــرَى، بالإضَافَـة إلى وجود النفط في قاع البحر، حيثُ حصلت شركات عالمية عدة مثل موبايل وتوتال على تصريح بالتنقيب عن النفط في المياه الإقليمية لكل من اليمن وإريتريا.

أهميّةُ البحر الأَحْمَـر لأمن الكيان الإسرَائيلي

ركّزت إسرَائيلُ على البحر الأَحْمَـر في نظرية أمنها القومي، على الرغم من قصر ساحلها عليه والذي يبلغ طوله سبعة أميال وأعطت اهتماما كبيراً للبحر الأَحْمَـر باعتباره من مقتضيات أمنها القومي بوصفه يقع ضمن اتجاهها الاستراتيجي الجنوبي ليشمل الدول العربية المشاطئة له ودول القرن الأفريقي المتحكمة في مدخله الجنوبي، بالإضَافَـة إلى منطقة البحيرات العظمى ومنابع نهر النيل لذلك خططت إسرَائيل منذ نشأتها للسيطرة على البحر الأَحْمَـر بجميع منافذه وإقامة ما يسمى بإسرَائيل الكبرى الممتدة -بحسب زعمهم- من النيل إلى الفرات.

وبموجب المنظور الجيوسياسي الإسرَائيلي يعتبر البحر الأَحْمَـر ممراً مائياً دولياً ينبغي أن يظل مفتوحا لسفن جميع الدول، بما فيها إسرَائيل التي يقول قادتها إنه لا حق للعرب في السيطرة عليه أَوْ تقييد حرية الملاحة فيه.

من نافل القول أن البحر الأَحْمَـر يشكل عاملاً أساسياً لحماية الأمن القومي العربي؛ كونه يضُمُّ منطقة الصراع العربي الإسرَائيلي وبؤر الصراع الأُخْــرَى في المحيط الهندي والخليج العربي.

وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، عززت الولايات المتحدة الأميركية ثقلها في منطقة البحر الأَحْمَـر بحجة حماية طرق الملاحة الدولية في إطار حملتها الدولية على ما يُعرَفُ بالإرهاب.

ويمكن القول إن إسرَائيلَ هي المستفيدُ الأولُ من ذلك، حيثُ ألقت بكل ثقلها في ما يسمى “الحرب ضد الإرهاب” وأصبح هناك تمركز إسرَائيلي إلى جانب التمركز الأميركي في أرضِ الصومال وجيبوتي، وخصوصاً بعد تفجير الفندق المملوك لإسرَائيل في مومباسا في كينيا، مما أعطى لإسرَائيل الذريعة للبقاء في البحر الأَحْمَـر والقرن الأفريقي.

وزاد من أهميّة البحر الأَحْمَـر بروز دعوات لتدويله تحت مُسمّى “أمن البحر الأَحْمَـر” خَاصَّـة إذَا وجدت علاقة بين ظاهرة القرصنة والشبكات الإرهابية، إذ أن ظاهرة القرصنة قبالة السواحل الصومالية وخليج عدن قد أثارت مخاوف دول العالم من تعرض طرق الملاحة العابرة في البحر الأَحْمَـر للخطر.

التواجدُ الصهيوني في البحر الأَحْمَـر

في الخمسينيات قال الأدميرال ايلفي كانستلون، قائد البحرية الصهيونية آنذاك:

“نحن نملك أسطولاً بحرياً يعمل في جميع موانئ العالم وسيرتفع عدده في عام 1956.. ولهذا فعلينا أن نعد العُدة لمستقبل تستطيع فيه أساطيلنا البحرية والحربية أن تحطم الحصار المفروض علينا وأن نفرض الحصار بدورنا على بعض الدول العربية بشكل أقوى مما فرضوه علينا أي باختصار، مطلوب منا أن تكون لدينا خطة نستطيع عن طريقها تحويل البحر الأَحْمَـر إلى بحيرة يهودية بالتدريج “.

من هنا كانت السيطرة على البحر الأَحْمَـر هدفاً للسياسة الصهيونية وبدأ منذ وقت مبكر الاهتمام الصهيوني في أفريقيا وخَاصَّـة بإريتريا.

وقد احتلت إسرَائيل مرفأ إيلات (أم الرشراش المصرية) في مارس 1949 بعد توقيع اتّفاقية رودس ليكون مدخلها إلى خليج العقبة والبحر الأَحْمَـر لإقامة العلاقات مع الدول الأفريقية والآسيوية ونجحت في استثمار علاقتها مع أثيوبيا قبل انفصال إريتريا عنها، حيثُ استأجرت جزيرة دهلك في البحر الأَحْمَـر عام 1975، كي تُقيم عليها أول قاعدة عسكريّة. وتلا ذلك استئجار جزيرتي “حالب وفاطمة”، ثم سنشيان ودميرا.

وأكّـدت مصادر دبلوماسية غربية في أسمرا وأديس أبابا وجود طائرات إسرَائيلية مجهزة بمعدات تجسس متطورة في دهلك مما يحقّق لها الإشراف على حركة الملاحة في البحر الأَحْمَـر ومراقبتها من الجنوب حتى إيلات، وتأمين التحَـرّك التجاري الإسرَائيلي وضمان إغلاق باب المندب في وجه العرب في أي وقت.

النزاعاتُ السياسية في البحر الأَحْمَـر

تدورُ في البحر الأَحْمَـر مجموعةٌ متداخلةٌ من النزاعات السياسية ذات الطابع الدولي أَوْ الاستراتيجي أَوْ الإقليمي أَوْ الحدودي أَوْ الثقافي أَوْ الاجتماعي أَوْ العرقي أَوْ العنصري. وتساعد الجغرافيا السياسية والاقتصَادية ومقاصد الدول الكبرى على فهم أعمق لطبيعة النزاعات في البحر الأَحْمَـر.

ويمكن تقسيمُ هذه النزاعات إلى فئتين: النزاعات المباشرة والنزاعات غير المباشرة. وتضم الفئة الأولى مجموعة من النزاعات الدائرة بين طرفين من الدول المطلة على البحر الأَحْمَـر وتشمل الصراع العربي الإسرَائيلي، وتوتر العلاقات المصرية السودانية، والتوتر السوداني الإثيوبي، ومشكلة جنوب السودان، واحتلال إريتريا جزيرة حنيش اليمنية، والوجود الفرنسي في جيبوتي، ونزاع أوجادين بين إثيوبيا والصومال.

أما النزاعات غير المباشرة فهي التي تقع بين طرفين أحدهما أَوْ كلاهما ليسا من الدول المطلة على البحر الأَحْمَـر وهذه النزاعات هي:

حرب الخليج، والعلاقات السودانية الكينية، والعلاقات السودانية الليبية، والسودانية التشادية، والصومالية الكينية، حيثُ كان البحر الأَحْمَـر ومضائقه وخِلجانه وجزره جزءاً من الحروب العربية – الإسرَائيلية (1956- 1967- 1973) وذا علاقة مباشرة بحربي الخليج الأولى 1980- 1988 والثانية 1990 – 1991.

التنافُسُ الدولي على النفوذ في البحر الأَحْمَـر

في مقدمة الدول الكبرى الأَكْثَــر نفوذاً في البحر الأَحْمَـر تأتي الولاياتُ المتحدة الأميركية، حيثُ يُمَثِّـلُ هذا البحر أهميّة خَاصَّـة للاستراتيجية الأميركية، وتنطلق رغبتها في السيطرة عليه من أهميته الاستراتيجية وارتباطه المباشر بمنطقة الخليج العربي ولضمان استمرار تأمين الخطوط الملاحية التي يمر بها النفط عبر البحر الأَحْمَـر وقناة السويس، ولاستمرار دورها الفاعل في منطقة الشرق الأوسط مع إعَادَة ترتيب المنطقة، طبقاً لمصالحها الاستراتيجية.

ويشكل البحر الأَحْمَـر محوراً مهماً لأي عمل عسكريّ محتمل يهدد المصالح الأميركية في المنطقة وما حولها، وكذلك ضمان أمن إسرَائيل التي تتعهد به الولايات المتحدة الأميركية، لمنع سيطرة قوى معادية على البحر الأَحْمَـر وخَاصَّـة مضائقه المهمة.

وقد ظل البحر الأَحْمَـر موضع اهتمام الإدارة الأميركية على اختلاف عهودها منذ مبدأ نيكسون عام 1969 ومبدأ كارتر عام 1976 ومبدأ ريغان عام 1982 حتى مبدأ بوش عام 1990

بدورها، تسعى روسيا الاتّحادية ليكون لها نفوذ في منطقة البحر الأَحْمَـر والدول المطلة عليه والقرن الإفريقي، وذلك لفرض النفوذ الروسي على الملاحة البحرية في البحر الأَحْمَـر وتقويض المصالح الأميركية والغربية وتقليصها في البحر الأَحْمَـر وما حوله واحتواء دول القرن الافريقي (الصومال وإثيوبيا) وإدخالها في حلف أَوْ اتّحاد، مما يتيح لها السيطرة على باب المندب. وسعت روسيا للتوسع في عقد اتّفاقيات الدفاع المشترك والحصول على التسهيلات البحرية والجوية في بعض دول منطقة البحر الأَحْمَـر.

أما فرنسا فهي أيضاً من الدول ذات النفوذ في البحر الأَحْمَـر لتأمين وارداتها من النفط وإثبات وجودها في تأمين طرق المواصلات والممرات المهمة وضمان عدم انفراد الولايات المتحدة الأميركية في التحكم في الأوضاع في المنطقة. وفي جيبوتي احتفظت فرنسا بقاعدة عسكريّة وبحرية، وتتمتع بأَكْبَـر وجود عسكريّ فرنسي خارج فرنسا، بالإضَافَـة إلى الإسهام في تسليح دول مطلة على البحر الأَحْمَـر مثل جيبوتي ومصر والسعوديّة واليمن.

في هذا الاتجاه لم تتجاهل بريطانيا أهميّة البحر الأَحْمَـر وضرورة أن يكون لها نفوذ فيه فصَدرت نظم التسليح البريطانية في بعض الدول المطلة عليه (مصر – السعوديّة – إسرَائيل). واتجهت نصف التجارة البريطانية لدول شرق البحر الأَحْمَـر (دول الخليج العربي بشكل رئيسي) كما حافظت على دورها في الجهود الدفاعية لحلف شمال الأطلسي، حيثُ تحتفظ ببعض القطع البحرية في البحر الأَحْمَـر ضمن الإطار العام للحلف واستراتيجيته في المنطقة.

وشاركت بريطانيا في الأحداث التي تهدد أمن وسلامة المصالح الغربية في المنطقة، مثل تطهير ألغام البحر الأَحْمَـر 1984، وأزمة الخليج الثانية وحرب تحرير الكويت كذلك تتواجد قُــوَّاتها ضمن القُــوَّات المشتركة في منطقة الخليج والبحر الأَحْمَـر.

ولم تتوانَ الصين، العملاق القادم، في البحث عن نفوذ في هذا الشريان البحري المهم، حيثُ توجهت نحو مصادر الطاقة في أفريقيا وتأمين خطوط الملاحة فعقدت اتّفاقيات مع السودان وكينيا واريتريا، وأنشأت خط أنابيب لنقل النفط من جنوب السودان إلى ميناء بور سودان على البحر الأَحْمَـر وتشير التوقعات إلى أن تتجاوز التجارة الخارجية الصينية مع دول حوض البحر الأَحْمَـر حجم التجارة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية مجتمعة.

في هذا السياق، تزايدت في الآونة الأخيرة الاهتمامات اليابانية بدول منطقة البحر الأَحْمَـر، حيثُ التجارة اليابانية والمساهمة في المشروعات الاقتصَادية وقد ساهمت اليابان بقُــوَّاتها في حرب تحرير الكويت وضمن القُــوَّات الدولية في الصومال.

كما اهتمت إيران بالتواجد في هذا الشريان المهم فطورت علاقتها مع أريتريا والسودان وَاليمن، من أجل التواجد في هذا البحر بجوار التواجد الأميركي والإسرَائيلي، وذلك تحسباً لضرب المفاعل النووي الإيراني.

وبنت إيران قاعدة عسكريّة في ميناء عصب الإرتيري، والذي يحتل موقعاً استراتيجياً في مدخل البحر الأَحْمَـر الجنوبي. ولقد أشار تقرير الكونغرس الأميركي أن إريتريا تدعم “أنصار الله” في اليمن والمعارضة التي تحارب الحكومة الصومالية في مقديشيو، متهمة إيران بأنها تريد خلق تحالفات جديدة في إطار عدائها لبعض الدول العربية وفي مقدمتها المملكة العربية السعوديّة.

الأهميّةُ الاقتصَادية لمضيق هرمز لدول الخليج وَإيران

تستخدمُ إيرانُ مضيقَ هرمز لنقل وشحن البترول للصين والعديد من الدول الأُخْــرَى، كذلك فان السعوديّة ودول الخليج تعتمد علي مضيق هرمز الذي تمر فيه 20-30 ناقلة نفط عملاقة يومياً بمعدل ناقلة نفط كُـلّ 6 دقائق في مواسم ذروة تجارة النفط.

يمر عبر مضيق هرمز سفن محمّلة بنحو 40% من النفط المنقول بحراً على مستوى العالم، اما عن دول الخليج العربي فهي تصدر ما يقرب من90٪ من نفطها بواسطة الناقلات التي تعبر مضيق هرمز، كذلك يمر الكثير من واردات الخليج عبر المضيق نفسه.

الصين واليابان ودول شرق آسيا بشكل عام ستكون الأَكْثَــر تضرراً من إغلاق مضيق هرمز، حيثُ تعتبر دولة اليابان من أَكْبَـر دول العالم استيراداً للنفط عبر مضيق ” هرمز، وبجانب النفط وشحنات البترول العملاقة يمر نحو 22% من السلع الأساسية في العالم (الحبوب وخام الحديد والأسمنت) عبر هذا المضيق.

تصدر المملكة العربية السعوديّة 88 % من إنتاجها النفطي عبر المضيق، بينما تصدر العراق 98 % من إنتاجها النفطي عبره، فيما تصدر الإمارات 99% من إنتاجها النفطي عبره.

وفي حالة أغلق مضيق هرمز لأي سبب فإن إيران ستكون المتضرر الأَكْبَـر لكونها تعتمد عليه في تصدير النفط الخام إلى دول آسيا، خَاصَّـةً الصين التي تُعد أَكْبَـر المستوردين منها

يُذكَرُ أن فكرة بديل ملاحي لمضيق هرمز عبر قناة مائية تربط بين الخليج العربي وخليج عمان طرحت من قبل عدة مرات، لكن تكلفتها الاقتصَادية وصعوبتها من الناحية التنفيذية التي قد تأخذ الكثير من السنوات لإنشائها حالت دون تنفيذ ذلك.

الأبعادُ الاستراتيجيةُ لمشروع ميناء جوادر الكبير

كان منفذُ جوادر البحري في جنوب باكستان ولا يزال، ميناءً عميقاً يقع على بحر العرب في منطقة جوادر بمقاطعة بالوشيستان في باكستان. وتأتي أهميّة الميناء بشكل بارز من خلال استراتيجية الممر الاقتصَادي والتجاري لطريق الحرير بين الصين وباكستان والمحيط الهندي وخليج هرمز وخليج عدن والقرن الأفريقي.

وقد لوحظ لأول مرة إمكانية منفذ غوادار في أن يكون ميناءً بحرياً عميق المياه في عام 1954م..

كانت المدينة تحت سيطرة سلطنة عُمان في خمسينيات القرن العشرين، ولم تتحقّق خطط بناء الميناء حتى عام 2007، عندما تم افتتاح الميناء من قبل بارفيز مشرّف بعد أربع سنوات من البناء، بتكلفة 248 مليون دولار بقرض من الصين.

في عام 2015، أعلن أن المدينة والميناء سيتم تطويرها بتكلفة 1.62 مليار دولار؛ بهدف ربط شمال باكستان وغرب الصين بموانئ المياه العميقة وسيكون الميناء أَيْضاً موقعا لمرفق غاز طبيعي مسال عائم سيتم بناؤه كجزء من مشروع ميناء جوادر الذي سيتكامل مع مشروع خط أنابيب الغاز الإيراني الباكستاني.

بدأ البناء في يونيو 2016 على منطقة جوادر الاقتصَادية الخَاصَّـة، التي يجري بناؤها على 2992 فدان الموقع المتاخم لميناء جوادار.

حدّدت باكستانُ مدينَة جوادر كموقع لبناء الميناء عام 1954 عندما كان منفذ جوادر لا يزال تحت سيطرة سلطنة عُمان. وبعد أربع سنوات من المفاوضات اشترت باكستان جوادر من سلطنة عُمان بمبلغ 3 ملايين دولار أمريكي، في 8 سبتمبر 1958م وأصبحت مدينة جوادر رسمياً جزءا من باكستان بعد 200 عام من الحكم العُماني وقد تم الانتهاء من بناء رصيف صغير في جوادار في عام 1992م، وتم الكشف عن مقترحات رسمية لميناء بحري عميق في جوادر بعد عام واحد في عام 1993م، ووافقت الحكومة الفدرالية على بناء الميناء في ديسمبر 1995م.

بدأ البناءُ على المرحلة الأولى من المشروع في عام 2002م بعد أن تم التوقيع على اتّفاق لتشييده خلال زيارة لرئيس مجلس الدولة الصيني تشو رونغ جى في عام 2001م وبعد الانتهاء من المرحلة الأولى في عام 2007 كانت أول سفينة شحن تجارية في الميناء هي “بوس غلوري” مع 70,000 طن متري من القمح في 15 مارس 2008م.

في أواخر عام 2015م تم تأجير الميناء رسمياً للصين لمدة 99 عَاماً، بعد أن بدأت باكستان تتعرض لضغوط سعوديّة وإماراتية تستهدف افشال مشروع تطوير منفذ جوادر البحري إلى ميناء استراتيجي كبير يخدم المصالح المشتركة للصين وباكستان وإيران ودول البحر الأَحْمَـر وجنوب البحر المتوسط.

تم افتتاح ميناء جوادر رسمياً في 14 نوفمبر 2016 بعد تأجيره للصين، عندما افتتحه رئيس الوزراء الباكستاني مُحَمَّـد نواز شريف، وأعلنت الصين انها سوف تستثمر 3 تريليونات من الدولارات لبناء مدن سياحية واقتصَادية وقواعد عسكريّة بحرية وجوية وبرية!!

ويقع ميناء جوادر على شواطئ بحر العرب في مدينة جوادر على بعد 533 كم من كراتشي أَكْبَـر مدينة في باكستان، وحوالي 120 كم من الحدود الإيرانية. وعلى بعد 380 كم (240 ميل) من سلطنة عُمان، وبالقرب من ممرات الشحن الرئيسية للنفط من الخليج العربي وتعد المنطقة المحيطة به الموطن الأَكْبَـر لنحو ثلثي احتياطات النفط والغاز المؤكّـدة في العالم وهو أَيْضاً أقرب ميناء بحري للمياه الدافئة وجمهوريات آسيا الوسطى ودول بحر قزوين الذي تطل عليه روسيا وإيران وبعض دول آسيا الوسطى، فضلاً عن أفغانستان.

الأطماعُ السعوديّة والإماراتية في اليمن

تكتسبُ الإطلالةُ البحريةُ لليمن على البحر الأَحْمَـر وخليج عدن والبحر العربي على ضفاف المحيط الهندي، أهميّةً استراتيجية لا تنافسها فيها سوى قلة قليلة من الدول العربية، ما جعلها مثار أطماع توسعية لتحالف العدوان السعوديّ الإماراتي وداعميهم الدوليين منذ بدء العدوان على اليمن في مارس 2015.

ومما له دلالة أن ما قامت به القُــوَّات السعوديّة والإماراتية من استحداثات عسكريّة وإعَادَة تموضع عسكريّ في جزيرة سقطرى وحضرموت والمهرة بعد العدوان على اليمن، كشف الأَهْـدَاف الحقيقية للعدوان الذي يتستر بشعار إعَادَة الشرعية إلى اليمن، لاسيما بعد إعَادَة توزيع مناطق نفوذهما في محافظات الساحل الجنوبي وأجزاء من الساحل الغربي.

الثابت أن ثمة أبعاداً جيوسياسية وأهميّة استراتيجية لموقع اليمن البحري الذي يتوزع على مناطق بحرية حيوية تشمل خليج عدن ومضيق باب المندب الاستراتيجي والجزر وأرخبيلات الجزر اليمنية الهامة، وُصُـوْلاً إلى عدد كبير من الموانئ والمنافذ البحرية البارزة التي تقع على طرق الملاحة الدولية، وتربط بين أعالي البحار التي تشهد صراعات على النفوذ والمصالح بين القوى العظمى القديمة والجديدة في النظام العالمي الراهن.

ما من شك في أن الموقع الاستراتيجي لليمن كان ولا يزال هدفا للأطماع والغزوات الخارجية في حقب تأريخية مختلفة، مع بلوغ الموانئ والمنافذ البحرية اليمنية مكانة منافسة لغيرها من الموانئ، حيثُ كانت بعض الإمبراطوريات والدول الكبر، تلجأ إلى اتخاذ تدابير وإجراءات عملية صارمة بقصد محاربتها، وشل حركتها بل بلغ الأمر حدِّ الاستيلاء عليها بالقُــوَّة.

وتُعدّ الأطماع السعوديّة المفترضة في الشرق اليمني، غيرَ جديدة في الواقع، إذ كانت أحد أَسْبَـاب عدم استقرار العلاقات السعوديّة – اليمنية على مدى العقود الماضية ولطالما كانت حضرموت على وجه التحديد، بما تُشكّل من مساحة تقارب ثلث اليمن، محور حديث الأَهْـدَاف السعوديّة ذات الطابع المتعلق بالأطماع في اليمن.

وكان لافتاً، أن كلاً من شبوة وحضرموت والمهرة وسقطرى، جاءت بالتقسيم الفيدرالي المقترح لليمن إلى ستة أقاليم، كإقليم واحد يحتل مساحة تزيد عن نصف مساحة اليمن، وفيه المناطق الأقل كثافة سكانية لكن، كيف استقر حُلم “الأنبوب النفطي” السعوديّ، عبر اليمن، إلى المهرة؟.

مشروعُ صفقة القرن السعوديّة

لا ينحصرُ الحديثُ حول المشروع السعوديّ في شرق اليمن، بميناء نفطي وأنبوب يمر عبر اليمن، بل يصل إلى “قناة بحرية”، وهو ما أطلقت عليه مجلة “المهندس”، الصادرة عن الهيئة السعوديّة للمهندسين السعوديّة خلال العام 2015، اسم “مشروع القرن” فيما قالت صحيفة “عكاظ”، في إبريل 2016، إن السعوديّة أكملت “الخطوات الإجرائية لدراسة مشروع القناة البحرية، التي تربط الخليج العربي مروراً بالمملكة، إلى بحر العرب، للالتفاف حول مضيق هرمز، ما يمكّن المملكة من نقل نفطها عبر هذه القناة المائية الصناعية الأَكْبَـر في تأريخ القنوات المائية الصناعية الكبرى في العالم.

وتتلخص “الفكرة الرئيسية في فتح قناة بحرية من بحر العرب، مروراً بالحدود العُمانية واليمنية، وتمتد إلى داخل المملكة في الربع الخالي ثاني أَكْبَـر صحراء في العالم، وتحتل الثلث الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية ويقع الجزء الأعظم منه داخل الأراضي السعوديّة، بمساحة 600 ألف كيلومتر مربع، وتمتدُّ ألف كيلومتر طولاً، و500 كيلومتر عرضاً”.

وتطرقت المجلة السعوديّة، حينها، إلى تفاصيل مثيرة حول مشاريع نووية وصناعية ضخمة تقوم في ضوء المشروع.

وفي ظل مختلف المعطيات التي تؤكّـد وجود أَهْـدَاف اقتصَادية واستراتيجية سعوديّة في شرق اليمن، تبرز التساؤلات عن السبب الذي يدفع الرياض للعمل على هذه الأَهْـدَاف بغياب دولة يمنية قوية، وليس من خلال الدعم والتنسيق مع الجانب اليمني، إذَا كان ذلك يعود بفوائد للطرفين إلى جانب تساؤلات أُخْــرَى، وثيقة الصلة بالحرب الدائرة في اليمن، بما فيها محاولة تفسير السياسات السعوديّة بالإبقاء على الحرب في المناطق الشمالية وحتى الفوضى جنوباً في ظل حكومة يمنية ضعيفة، بما يحقّق الأَهْـدَاف الاستراتيجية – الخفية للحرب، وفقاً للمعطيات المذكورة سابقاً

من نافل القول في ظل هذه المعطيات أن ثمة أخطاراً جيوسياسيةً ستنجم عن الوصاية غير المعلنة على مضيق باب المندب وبعض الجزر اليمنية، وقيام دول العدوان والاحتلال ببناء قواعد عسكريّة في جزيرة ميون بباب المندب واستحداثات عسكريّة في جزيرة سقطرى وميناء نشطون، وجزر يمنية أُخْــرَى.

ولعلَّ انكشافَ الأَهْـدَاف الخفية للعدوان على اليمن، بالتزامن مع تهافت دول العدوان على تطبيع علاقاتها بإسرَائيل ودخول جزيرتَي تيران وصنافير المصريتين في بورصة التطبيع بين إسرَائيل ودول العدوان على اليمن، يرفع من قيمة ودور المجال البحري اليمني، بما يزخر به من مميزات جيوسياسية وأهميّة استراتيجية بالغة، ما سيجعله يشكل رقماً مؤثراً في مفاعيل الصراع القادم على أعالي البحار.

في هذا السياق يمكن استشراف التحديات الخطيرة التي ستواجه مستقبل اليمن وسيادته على بعض الجزر والموانئ والمنافذ البجرية والجوية والبرية، في حال نجاح مُخَطّط دولِ العدوان الذي يستهدف تقسيم الجمهورية اليمينية إلى كانتونات ضعيفة ومتناحرة، قد تنتجُها تسوياتٌ سياسية مشبوهة للأزمة الراهنة، بموجب مرجعيات القرار سيئ الصيت رقم 2216، وبضمنها بعض مخرجات مؤتمر الحوار الوطني غير المتفق عليها.

تأسيساً على ما تقدم يتوجب التأكيد على أننا مع خيار مقاومة العدوان والاحتلال، ومع السلام العادل الذي يوقف جرائم الحرب والحصار، ويحافظُ على وحدة الوطن وسيادته واستقلاله في وقت واحد.

ويجب على المجلس السياسي الأعلى والحكومة ومُؤَسّسات الدولة بلورة رؤية متكاملة، للتفاوض برعاية الأمم المتحدة حول القضايا التالية:

أولاً: وقف العدوان وفك الحصار براً وجواً وبحراً، ومعالجة مختلف الآثار الإنْسَـانية الناتجة عن جرائم العدوان والحصار.

ثانياً: وضع خطة لصرف الرواتب المتأخرة والإطلاق المتبادل للأسرى ومعالجة الجرحى.

ثالثاً: تحرير الأراضي اليمنية المحتلة وعودة قُــوَّات الاحتلال الأجنبية إلى بلدانها بدون قيد أَوْ شرط.

رابعاً: تشكيل مجلس رئاسي انتقالي وحكومة وطنية بشكل توافقي، يجسد مبادئ الشراكة في السلطة والثروة، والالتزام بقواعد العيش المشترك ومحاربة الفساد وغلاء المعيشة وحماية العملة الوطنية من الانهيار.

خامساً: وضع إطار توافقي لمرحلة انتقالية مدتها لا تقل عن أربع سنوات، تنتهي بالاستفتاء على دستور جديد، وانتخابات برلمانية ومحلية.

سادساً: وضع خطة وطنية للإعمار وإعَادَة البناء بدعم دولي غير مشروط.

سابعاً: رفض مشاريع التقسيم والتفكيك من خلال إعَادَة شكل الدولة وإزالة آثار حرب 1994م، ووحدة 7/7 التكفيرية الإقصائية، وبما يمنعُ عودةَ التبعية والوصاية الخارجية والتسلط العائلي والاستبداد الأوليغارشي.

ثامناً: وضع خطة وطنية لاستعادة الأموال المنهوبة قبل وأثناء العدوان.

تاسعاً: تجريم الاستيلاء على مصادر الثروة والقُــوَّة ونهب المال العام.

عاشراً: محاربة الإرهاب والتكفير والتحريض على إثارة الكراهية الطائفية والمناطقية في الدولة وَالمجتمع، وإصْلَاح مناهج التعليم والخِطاب الديني بمختلف الوسائل القانونية.