أفعى الإمارات في الجنوب: ماذا بعد سموم الكراهية الأحادية.؟
بقلم / فؤاد الجنيد
في عدن ثغر اليمن الباسم وعلى امتداد الجغرافيا اليمنية الجنوبية يتزايد عدد الأحداث الجماعية والفردية التي تجسد ثقافة دخيلة وجديدة لم يألفها اليمنيون قديماً وحديثاً، ثقافة مرفوضة قائمة على التمييز والإقصاء والنزعات المناطقية والفئوية، وهي في واقع الأمر لا تمثل إلا أصحابها الذين تعروا من يمنيتهم ومبادئهم، وتنكروا لعاداتهم وتقاليدهم، ووأدوا سلوكهم وقيمهم وروابط الأرض والإنسان التي تقاسموها مع بني جلدتهم في ربوع اليمن شماله وجنوبه. ففي تطور جديد يضاف إلى رصيد انزلاق الأوضاع الأمنية الخطير في مدينة عدن هاجم مسلحون يتبعون الإمارات حفلاً لتخرج طلاب الكليات العسكرية في منطقة صلاح الدين بمديرية البريقة أسفر عن مقتل أحد الطلبة الشماليين وإصابة آخرين، ويأتي الهجوم المباغت الذي شنه مسلحون جنوبيون يتبعون الإمارات على الخريجين الذين ينتمون إلى المحافظات الشمالية والجنوبية واقتحام حرم الكلية وحفل التخرج، يأتي بسبب رفع علم الوحدة اليمنية فوق إحدى المنصات أثناء تتويج الخريجين. وما يزيد الطين بلة أن قوات الحزام الأمني التابعة للإمارات قامت صبيحة حفل التخرج بقطع الجسر البري الذي يِصل مديرية البريقة بالمديريات الأخرى من اجل إعاقة ومنع وصول أي مواكب لقيادات عسكرية أو مسئولين في حكومة هادي للمشاركة في حفل التخرج، ما يؤكد النية المسبقة لأبو ظبي وقواتها في مدينة عدن بشن هذا الهجوم تحت ذريعة علم الوحدة اليمنية. هذه الحادثة سبقتها عدة حوادث تصفية بحق شماليين لا ذنب لهم سوى أنهم ينحدرون لمحافظات شمالية وكان آخرها مقتل فنان كوميدي تمت دعوته لإحياء مناسبة في محافظة الضالع جنوب اليمن.
يدرك اليمنيون جميعاً أن اي غازي دخيل لا يمكن أن يحط عينه على الأرض لمجرد هكتاراتها ومساحتها المكعبة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يختزل استهدافه للإنسان في مجرد الشكل واللسان والقوام؛ فالأرض إلى جانب أهمية موقعها ووفرة محصولها ووارداتها تعتبر أماً وحاضنة لمن يعيشون على سطحها؛ فتنعكس سلوكياتهم وعاداتهم على طبيعة الجغرافيا الثقافية وتضاريسها التربوية ومناخها الفكري وطقوس تعاريجها الدينية والوطنية؛ فيسعى اي احتلال إلى إنتاج ثقافة سلوكية جديدة تساعده على توطيد اقدامه وضمان ديمومة بقائه، ومسخ وصهر المبادئ والقيم لإحلال ثقافة الكراهية والحقد والضغينة في أوساط المجتمعات، واستغلال الصراعات بعد تأجيجها لتنفيذ تلك المخططات البنيوية في غفلة من المستهدفين الذين تبدو لهم تلك الاجراءات وكأنها إحدى وسائل الربح وكسب النقاط في معركة الموت العبثية.
لم تألوا الإمارات جهداً في إذكاء بؤر الفتنة في المجتمعات الجنوبية وخلخلة الأواصر وتقطيعها بناءً على المواقف السياسية والفكرية؛ ومزقت النسيج الإجتماعي على نغمة المناطقية والايديولوجيا حتى باتت تحقق أهدافها في الجنوب بأبناء الجنوب، ولم يسلم الجنوبيون أنفسهم من هذه اللعنة حتى اضحت شوارعهم وازقاتهم تضيق ذرعاً بالجثث المتناثرة بفعل الاغتيالات والتفجيرات.
شمالاً، دأب تحالف العدوان ومعه أذنابه في الداخل على خلخلة الجبهة الداخلية الواحدة، وشقّ الصفّ الوطني وتمزيق النسيج الاجتماعي والديني من خلال هجمات إعلامية مغرضة وشرسة، بالتزامن مع تحرّكات مجاميعهم المسلّحة على الأرض، تحت سقف المقاومة والتحرير، ولكن كل ذلك تكلّل بالفشل الذريع ولم يحق ذاك المكر السيء إلا بأهله، فشمال اليمن ليس كما تصوّره أولئك ليجعلوا منه مناخاً خصباً لبذرات التضليل والإستغفال والإستحمار، فلم يكن أمامهم سوى اللجوء إلى استهداف اللحمة الوطنية بدسّ سموم الطائفية والمناطقية والسلالية في مائدة الحرب بفعل قاطني فنادق الرياض الذين رحلوا ومعهم تأزّماتهم وتراكماتهم الإقصائية ورغبتهم الجامحة في الإذلال والتسلّط والإنتقام بأيادي يمنية باعت نفسها للشيطان، واستسلمت للتغرير والإغواء، متعرّية من كلّ القيم والمبادئ، شرعاً وعرفاً.
إن أوّل استهداف للحمة والنسيج الوطنيين عبر ورقة “شمالي – جنوبي”، بدأت بحملات ترحيل الشماليين من الجنوب تحت مبرّرات واهية ومفضوحة، هدفها استفزاز اليمنيين في الشمال لردّة فعل مماثلة، تنتهي بترحيل الجنوبيين من الشمال، وتمهّد لصراع بعيد المدى يستهدف الهوية والإنتماء والتلاحم والترابط، ويؤسّس لقاعدة صلبة كفيلة ببناء أساسيات وأوّليات فكّ الإرتباط على مداميكها، لكن الجيش اليمني واللجان الشعبية، ومن خلفهم كلّ اليمنيين، كانوا على قدر كبير من المسؤولية والفراسة والحسّ النبيه، فلم ينجرّوا لمثل تلك الأعمال والممارسات الإنتقامية التي تهيّأت ساحتها، كلّ ذلك انطلاقاً من الخلفية الدينية والأخلاقية والوطنية، وقبلها الإنسانية والفطرية، والتي بدورها أحرقت تلك الورقة وحشرت التحالف وأداوته في زاوية ضيّقة لتنفيذ تلك الورقة من طرف واحد في جنوب اليمن الذي بات هو الآخر يكتوي بنار هذه الآفة وسط تكويناته ومجاميعه المتآكلة.