في ميدان الصراع مع الطواغيت يشفي الله صدور المؤمنين بانتصارات ومتغيرات مذهلة
مما يشفي صدور الناس؟ مما يعتبر في حد ذاته نعمة؟ ولهذا ترى في آية من الآيات هنا، أنه أهلك آل فرعون {وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} يذكِّرهم بأن هذه النعم هي نعم هو، هو أنعم بها عليهم أي: ليست أشياء تلقائية توفرت لهم, أو نتيجة خبرات لديهم, أو شطارة, أو ذكاء, أو أشياء من هذه.
{اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ}(البقرة: من الآية40) لو يقيِّمون وضعيتهم هم، لو يقيِّمون أنفسهم لوجدوا أنفسهم بأنه ليس باستطاعتهم أن يوفروا ربما ولا واحدة من تلك النعم، كانوا وهم في مصر مضطهدين معذبين قد يكون لديهم شعور بأنه من المستحيل أن تتغير حالتهم، من المستحيل أن يأتي يوم من الأيام يرون فيه فرعون وهامان وجنودهما وقد أهلكهم الله، فتأتي النجاة لهم بطريقة كما حكاها الله في آيات أخرى في القرآن بأنه تقريباً يعتبرون أنفسهم بأنه من المستحيل، وضعية ليس منها مخرج نهائياً؛ ولهذا قالوا لموسى: {أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا}(الأعراف: من الآية129) تعب من قبل ومن بعد، نريد أن تتركنا هكذا أتركنا هكذا نبقى على ما نحن عليه ليس هناك أمل.
وهذه حالة تحصل عند الناس عندما يكونون مستضعفين في ظل جبروت وطغيان قاهر ومتمكن، دولة مستحكمة متمكنة نافذة قوية، أحياناً قد يحصل عند الناس يأس أنه قد يأتي يوم من الأيام يتخلصون من تلك الوضعية إلى الأفضل وإلى الحرية بعد العبودية.
ذكر النعم باستمرار بأن تنقلها الأجيال إلى بعضها بعض قضية هامة جداً؛ لأن الناس الذين عاصروا وضعية معينة ذاقوا مرارة الألم، والإضطهاد، والإستعباد، والقهر، والذلة، فعاشوا في وضعية أخرى وضعية حرية، استقلال، تمكين في الأرض، هؤلاء يكون الجيل الذي عاصر هذه يكون لها وقعها في نفسه إذا ما هناك استمرار للتذكير بهذه وأن يحكيها المتقدم للمتأخر يحكيها الأب للإبن، يحكيها الجد للحفيد؛ ينشأ جيل رأى نفسه في وضعية جيدة وفي الأخير يتصور أنه ما كان هناك شيء، أعني: ما لديه صورة عن الوضعية السابقة لم يذق مرارة الوضعية السابقة فيكون من السهل أن يتنكّر لما هو فيه من النعمة.
الدرس الرابع من دروس رمضان صـ2.