يجب أن نفهم بأن رسالة الله للعالمين جميعا، وان ثقافة القرآن عالمية.
{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} أليس هذا إعلاناً واضحاً؟ نحن عندما نسمع مثل هذه العبارة: {إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} بمعنى أنه رسول للبشر جميعاً، يجب أن تعرف موقع الأرض بالنسبة لله سبحانه وتعالى أنها ليست إلا جزء من ملكه، الآن مثلاً يقولون في هذا الزمن بأنه كواكب أخرى قريبة أكبر من الأرض، المريخ مثلها عدة مرات، هذا النجم الذي نراه، هي ليست إلا كوكباً صغيراً، تعتبر الأرض هذه من الكواكب الصغيرة، عندما يقول: {إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} الناس أليس موقعهم هنا على الأرض، على الكوكب هذا الصغير؟ إذاً عند الكثير من الناس يكون عنده أن يكون هذا الدين للناس جميعاً، يعني: العالم هذا! يراها وحدة كبيرة! الأرض في ملك الله قد تكون مثل قرية، أو أقل، قد تكون تساوي قرية.
فيجب أن تفهم بأنه عندما تكون هذه الرسالة مبنية على أنها رسالة للعالمين، أنها في أساسها قابلة لئن تكون رسالة للعالمين، وتمهيدات يجعل بالإمكان أن تكون رسالة للعالمين، ليست مهمة جوفاء هكذا، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً}، أليس هو رسول للناس جميعاً أينما كانوا في الأرض هذه؟ معناه: أنه مبني هذا الدين على إمكانية أن يظهر في الأرض جميعاً، لا تبقى القضية عند أي إنسان كبيرة، الأرض واسعة، ارجع إلى كتب الجغرافيا، الخرائط التي يصلحونها تجد كيف نسبة الأرض، ليست إلا نسبة بسيطة.
نقول أكثر من مرة: بأن الأمريكيين الآن يرونها صغيرة الأرض، هم هؤلاء البشر، عندما يخرجون إلى خارج يرونها صغيرة، كرة صغيرة أمامهم، بنوا إسرائيل كذلك عندهم أنه بالإمكان أن يدِّيولوا عليها كلها، لم تعد إلا نقطة، أصغر من المريخ بكثير، قد عندهم طمع بحيث أن رؤيتهم أكبر من الأرض، نحن عندما لم تعد رؤيتنا قرآنية، عندما تقول: أن هناك طريقة لا يختلف الناس عليها، أن الله جاء بشيء لا يختلفون، ونظام واحد، يكون عنده كيف يمكن يكون هناك نظام واحد لمحافظة، تكون طريقة واحدة لا يختلفون، ونظام واحد، ولو لمحافظة! وهو قابل أن يكون نظاماً واحداً للعالم كله، هو قابل لئن يعمم على العالم بكله.
نقول دائماً: المفردات في القرآن، لا يوجد مفردة إلا وتجدها مأخوذة بعين الاعتبار، عندما يقول: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ} (آل عمران: من الآية104) هو بالشكل الذي يبني أمة، هو رسالة عالمية، وهو بالشكل الذي قابل أن يكون رسالة عالمية، وأن كلمة: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} (الحج: من الآية40)، والوعود هذه كلها مبنية على ماذا؟ على هذه الرؤية الواسعة، لا تقل: بأنه ربما دين قد يكون فقط لإقليم معين من الأرض، وقد تكون الوعود الإلهية كلها محصورة فقط فيما إذا تحرك هذا الدين في هذا الإقليم فقط، أما من خارج ربما لا.
كلمة: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} (التوبة: من الآية33) واضحة، يظهره على الدين كله في الأرض هذه، ثم {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ}، ليس معها حدود، حدودها العالم؛ لأن هذه رسالة عالمية، لا يمكن من ينصره، تكون فقط في إقليم معين، من ينصره بهذا الشكل الواسع؛ لتكون رسالته عالمية، ما هو قابل للتحديد، لا يمكن أن يصح هنا أن أقول: رسالته عالمية، لكن وعده محصور، {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} في البلاد العربية فقط مثلاً، أو {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} في اليمن. يجب أن تنظر إليها مثلما يقول هو في موضوع الرسالة أنها للعالمين.
أن تكون رسالة للعالمين، وأنت تجد العالمين ثقافات كثيرة، وأشياء كثيرة، يجب أن تثق بأن هذه الرسالة هي بالشكل الذي يظهر على الكل، يظهر على الكل. لكن لن تراه بالشكل الذي يظهر داخل بلادك، إذا أنت تعود إلى الأشياء الأخرى، إلى الكتب الأخرى، ما معنى ليظهره، ليظهر كتب المذاهب هذه، في الفقه، والأصول، والأشياء هذه، وكتب الترغيب، والترهيب، أنها هي التي ستظهر على الدين كله، لن تستطيع أن تظهر، ولا في إقليم واحد! بكتابه، دينه أساسه كتابه، كتابه تجده في الأخير بشكل يعطي فعلاً صورة عن البشر، يشخص البشر، تشريعه، حركته قابلة لئن تستوعب البشر، وتهذبهم، وتجعلهم يسيرون على نمط واحد.
الأشياء الأخرى التي قدمت في الفقه، في كتب الحديث، والتفسير، وأشياء من هذه، غير قابلة أن تكون مقبولة هنا، أن تكون مقبولة فضلاً عن أن تظهر، ستصطدم بواقع، بسنن، مثلما اصطدمت داخل البلاد الإسلامية هنا، في تاريخ أهل البيت، هنا في اليمن في إقليم واحد، كان يقوم بعض الأئمة واصطدم بمسائل فقهية، وأصولية، هنا داخل، ثم يحاول من جديد يبين بطلانها، وأنها هي لا تشكل عوائق أمامه، رؤى فقهية، أو مفاهيم عقائدية معينة، أو قواعد أصولية، كان يصطدم بها في إقليم واحد في العالم.
القرآن غير قابل لئن يصطدم بشيء أبداً، وقابل لئن يظهر على الأديان كلها، وهو نفسه لا يحمل عنوان مذهب معين، لا يحمل عنوان أمة معينة حتى في كونه عربي، مثلما نقول: إن الله جعله عربياً، ليس على أساس قومية، اختار للعالمين لغة هي أرقى لغة؛ لتكون لغة عالمية، أليس يقول:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}(الاسراء: من الآية9) يهدي للتي هي أقوم، عندما يقول هنا: للناس جميعاً، رسالته للناس جميعاً، الله يعلم بأن العالم بحاجة إلى لغة واحدة تكون لغة عالمية على الأقل، وإن كان هناك لهجات أخرى، وأن أرقى لغة، وأفضل لغة، وأسرع لغة للانتشار هي اللغة العربية، وأجمل لغة، وأقوم لغة، لم تختار على أساس قومي؛ باعتبارها أقوم لغة من اللغات السائدة في البشر.
{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(الأعراف: من الآية158)، هنا يلفت نظر الإنسان بعبارة السموات والأرض؛ لتصغر عندك الأرض، تصغر عندك في نظرك الأرض هذه، عندما يقول: للعالمين، تكون أنت تتصور بأن الأرض هذه أكبر شيء في العالم، الذي له ملك السموات والأرض، والكل عباده، هو الذي له الأمر، والحكم فيهم، وفي نفس الوقت أيضاً السموات في ملكه، حتى لا تقول: أما هذه [أكبرها جور أما هذا قد هو طمع قد الباري يريد يأخذ أراضي مدري من] ليست هذه فقط، بل والسموات، السموات واسعة جداً، والكواكب فيها كثيرة جداً، وبعض الكواكب أكبر من الأرض بعشرات المرات.
{وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} (الأعراف:159)، أليست استثنائية جميلة هذه، هكذا قال في قوم موسى.{وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ}(الأعراف: من الآية148) إلى آخره، لكن وفي الأخير يقدم لك صورة أنه كان ما يزال هناك ناس، كان يأتي في تاريخهم أناس جيدين، ويتجلى لك بأنه هكذا في مراحل التاريخ داخل الأمم هذه التي يذكرهم من حيث المبدأ أن هناك ممن يهتدون بهدى الله نماذج عالية جداً، أولئك الآخرين السيئين إنما كانوا من جهة أنفسهم هم؛ لإعراضهم، لجهالتهم، لعدم اهتمامهم.
{وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ} (الأعراف: من الآية160). هم اثنا عشر سبطاً، ويبدو أنهم من بعد كانوا على أساس تركيبة تلك البيوتات، حتى في الحجر التي جعلها الله، فجر منها الماء لهم في مرحلة التيه، اثنا عشر عيناً، قد علم كل أناس مشربهم.
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً} (الأعراف: من الآية160) أليس هذا مظهر من مظاهر رعاية الله لهم؟ في الوقت الذي هم أصبحوا يعني: ما كأنهم قبلوا أن يكونوا أمة واحدة مندمجة، إذاً فليكونوا بطوناً على هذا النحو، أوهم تحولوا هم إلى بطون على هذا النحو، اثنا عشر سبطاً، يعني: أبناء فلان، وأبناء فلان، وأبناء فلان، ثم تأتي النعم عليهم بشكل يراعي الوضعية التي هم عليها، قد تكون وضعية غير مؤثرة، قد تكون وضعية أشبه شيء بالأسر، اعتبرها كأسر، الأشياء الملزمة هي ملزمة لهم جميعاً، فهنا يأتي أيضاً في النعمة عليهم بالنسبة للماء أن تكون الحجر هذه ينفجر منها اثنا عشر عيناً،{قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ}.{وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى}(الأعراف: من الآية160) هذا في حالة التيه، وهو في سيناء كانت هذه.
هذه أليس فيها مظهر من مظاهر رحمة الله، مع أنهم رفضوا أن يدخلوا المدينة،{قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ}(المائدة: من الآية26)، ولكن أيضاً في مرحلة التيه يعطيهم أشياء، الماء على هذا النحو: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ} عندما يكونون في الصحراء حتى لا تلهبهم الشمس وسخونة الصحراء،{وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (البقرة: من الآية57)، هذه تتكرر كثيراً فيما يذكر الله عن الأمم، وما يحصل لها، أنه يأتي من جهة أنفسهم هم، أما هو فهو يرعاهم، ويعمل كل شيء من أجل هدايتهم، لكن هم يعرضون عن الهدى، وهو غني عنهم.
{وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ} (الأعراف: من الآية161) لاحظ بالنسبة لتسلسل القصة، أليس ذلك الحدث هو من بعد، قيل ادخلوا القرية.{وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ}(الأعراف: من الآية161) مكان يتوفر فيه الخضار والفواكه والحبوب بأنواعها،{وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزَيِدُ الْمُحْسِنِينَ}(الأعراف: من الآية161) هذا عرض هام جداً، وبالنسبة لهم القضية بسيطة، يقتحمون المدينة هذه، وكان يجب أن يفهموا عندما يقول: بأنه قد كتبها لهم، بمعنى أنهم فعلاً سيدخلونها، ولو احتاج الدخول إلى جهاد، يعني: يقاتلون الذين فيها، الذين فيها كانوا ناس آخرين، ليسوا مؤمنين، ويبدو أنها فقط قرية كانت، أو مدينة بضواحيها، بمزارعها، بمفاسحها.
{وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ} أليسوا بعد طلبوا قثاء وبصل وثوم وعدس؟ كان قد عُرض عليهم سابقاً أن يدخلوا القرية فيسكنوها، وفي نفس الوقت سيأكلون مما فيها: عدس وبصل، وأشياء كثيرة، {وَقُولُوا حِطَّةٌ} كلمة يقولونها، وقد تكون ربما هي نفس العبارة هذه، تكون هي بالذات؛ لأنه بالنسبة للغة العبرية يوجد تقارب نوعا ما؛ لأنها كلها أساساً هي لغات سامية، اللغة العربية، واللغة العبرية، [شلام] مثلاً [شلام عليكم] هي بمعنى [سلام] إنما شين بدل السين.
{وَقُولُوا حِطَّةٌ} كلمة يقولونها معناها: حط عنا ذنوبنا، أليس معناها عودة إلى الله بكلمة يقولونها؟ قولوا، {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزَيِدُ الْمُحْسِنِينَ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ} (الأعراف:162)، أهم شيء في القصة هذه أنه في آية أخرى قال: {الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} (المائدة: من الآية21) ألم يقل هكذا؟ {كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}، هذه العبارة ماذا تعني؟ أليست توحي بأنه بالتأكيد سيحتلونها ما دام قد كتبها وأمرنا أن نتحرك، معناه بالتأكيد سيحصل نصر إذا تحركنا على أساس توجيهاته. قال: {كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}، وهنا يقول: {وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ}، أليس هذا مؤشراً.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
[الدرس الثامن والعشرون – من دروس رمضان]
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.
بتاريخ: 28 رمضان 1424هـ
الموافق: 22/11/2003م
اليمن ـ صعدة.