معركة الساحل الغربي: حين استجدت أبوظبي المهزومة وتنصّلت واشنطن
بقلم / علي مراد
لا تزال فصول هزائم تحالف العدوان في معركة الساحل الغربي لليمن تتوالى، فبعد الهزيمة العسكرية التي منيت بها القوات الغازية التي تقودها الإمارات الشهر الماضي، اصطدمت كل من أبوظبي والرياض بمعارضة أعضاء في الكونغرس الأميركي لاستمرار الحملة الفاشلة. موقع العهد الإخباري حصل على رسالة بعث بها سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة إلى أعضاء بارزين في الكونغرس، يستجديهم فيها لدعم عملية القوات الغازية، لكن الردود كانت على غير ما يشتهي.
مرة أخرى تثبت الدول المتصدّرة لتحالف العدوان على اليمن ارتهانها للإرادة الأميركية في محاولة تنفيذ مشروع السيطرة على الأرض والمقدّرات اليمنية. لكن دون جدوى، فوقع الصمود اليماني الآخذ في التعزّز والثبات حطّم وسيحطّم الكثير من الخطط والمحاولات العبثية التي تتنطّح كلٌّ من الرياض وأبوظبي لتنفيذها بالنيابة عن الأميركيين.
بين 14 و 20 حزيران الماضي كانت القوات الغازية التي يقودها العميد الإماراتي عبد السلام الشحي في الساحل الغربي تُمنى بهزيمة عسكرية وإعلامية مدوّية. حفلة من الدجل والانتصارات الوهمية في الإعلام الإماراتي، ما لبثت أن دحضتها عدسة الإعلام الحربي لمجاهدي الجيش واللجان، الذين حطّموا كيد الغزاة على تخوم مطار الحديدة. بدا حينها وكأن الإمارات تحديداً انتابتها حالة من الإنكار والرفض بالتسليم لحقيقة هزيمتها، وهذا ما سيظهر في تحرّك أبوظبي الدبلوماسي في واشنطن بعدها بأيام.
موقع العهد الإخباري حصل على نسخة من رسالة (الوثيقة المرفقة) بعث بها سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة في السابع العشرين من حزيران الفائت إلى أعضاء في الكونغرس، بالغ فيها بالتطمين إلى استمرارية وصول المساعدات إلى المدنيين في الحديدة، طالباً مساندة الكونغرس لاستمرار العملية الجارية في الساحل الغربي. الرسالة وصلت الى أعضاء من الحزبَين الجمهوري والديمقراطي في لجان “الشؤون الخارجية” و “الاستخبارات” و “القوات المسلحة” في غرفتي الكونغرس.
في رسالته ذات الصفحات الثلاثة، يبدأ العتيبة بتعداد “أولوية التحالف” بما يخص الحملة في الساحل الغربي، فيدّعي ان اولويتهم الأولى هي “ضمان تدفق المساعدات الانسانية”، ثم “تخفيف الأضرار عن المدنيين”، بالتوازي مع ما يسمّيه “الضغط على المتمرّدين” للدخول في محادثات سياسية “ذات هدف”. هذا الهدف – وفق ما يراه العتيبة وأسياده – يذكره في نهاية الرسالة لاحقاً: “انسحاب الحوثيين بسلام من الحديدة”. ثم يكرّر السردية المعتادة عن “استعمال أنصار الله ميناء الحديدة لتهريب السلاح الإيراني”.
يدّعي العتيبة في رسالته أن تحالفهم “حريص على المدنيين ويعمل على إيصال المساعدات الانسانية لأهالي الحديدة”، وينسب الفضل باستقبال صنعاء للمبعوث الأممي “مارتن غريفيث” إلى ما يُسمّيه “نجاح ضغطهم العسكري المدَوزَن”. ثم ينتقل السفير الإماراتي للحديث عن ما سمّاه “خطة طوارئ” في حال تعرّض ميناء الحديدة للضرر، فيدّعي أنهم جهّزوا آلاف الأطنان من المساعدات في عرض البحر الأحمر، مع عشرات الخبراء في إدارة الموانئ، مزوَّدين بمعدّات ورافعات ثقيلة لتشغيل الميناء فور “تحريرهم” إياه. وفي ختام رسالته، يعود العتيبة للحديث عن الشق الإنساني، ويدّعي أن بلاده “واحدة من أكبر مقدمي المساعدات التاريخية لليمن عبر تبرّعها بأكثر من 3.7 مليار دولار بين نيسان 2015 و أيار 2018”.
بعد رسالة العتيبة بثلاثة أيام، غرّد وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش على صفحته في تويتر “باللغة الإنكليزية” معلناً “إيقاف” معركتهم في الساحل الغربي “مؤقتاً”، بحجة “إتاحة فرصة لجهود المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث” (1). في تلك الأثناء بدا للكثيرين وكأن الغرب – وبالتحديد الأميركيين – جادّون في ما ادّعوا أنه حرص على حياة مئات الآلاف من المدنيين في الحديدة، وأنهم لا يريدون وقوع كارثة إنسانية إذا وصلت النيران والمعارك إلى مدينة وميناء الحديدة. ومن هنا خرجت تحليلات لتؤكّد هذا الرأي، ربطاً بإعلان قرقاش إيقاف العملية العسكرية (وهي لم تتوقف)، وهذا كلّه للإيحاء بأن الأميركيين أجبروا أبوظبي على إيقاف العملية “لأسباب إنسانية”، وهو خداع هدفه غسل يدي واشنطن من الضلوع في دعم هجوم الغزاة الفاشل الذي أشرفت عليه الإمارات منذ أيار الماضي.
وفي العاشر من تموز الحالي أرسل مجموعة من أعضاء الكونغرس رسالة مشتركة الى سفيرَي السعودي والامارات في واشنطن خالد بن سلمان ويوسف العتيبة، طلبوا فيها أن توقف “أبوظبي والرياض تصعيدهما في الحديدة والإقلاع عن محاولة الضغط على الحوثيين ليغادروا الحديدة والساحل الغربي بشكل سلمي”، كون الحلول العسكرية كلها فشلت بحسب ما يعلّل أعضاء الكونغرس في رسالتهم (2). طبعاً رسالة أعضاء الكونغرس هذه “الحريصة على أرواح المدنيين”، تأتي بعد تبيّن نتائج المعركة وإيقان الأمريكيين أن الحملة التي كانوا يتردّدون في الإعلان بشكل صريح عن دعمها بشكل مباشر قبل احتدامها مخافة فشلها، فشلت فشلاً ذريعاً على الأرض، فظهرت “إنسانيتهم” كخطة ب.
منذ ثلاثة أعوام تقريباً، نسمع بمشاريع قوانين في الكونغرس الأميركي لإجبار الإدارة الأميركية على وقف دعم العدوان على اليمن، من خلال تشريع قانون يجبر الإدارة على عدم تقديم الدعم الاستخباري واللوجستي وحتى بيع السلاح للسعوديين والإماراتيين الذين يستعملونه في اليمن ضد المدنيين. يتبيّن أن كل ذلك كان للاستهلاك الإعلامي أو للإبتزاز، وأن الحزبين الأميركيين – الجمهوري والديمقراطي – في عهدَي اوباما وترامب يسيران وفق سياسة الإدارة التي تحكم، وهذا ما اعترف به بطريقة غير مباشرة السفير الأميركي السابق في اليمن “جيرالد فيرشتاين”، الذي قال في تصريح صحفي قبيل ساعات من انطلاق عملية مطار الحديدة والبيان المخادع لوزير الخارجية مايك بومبيو حول العملية: “أعتقد أننا نقول للإماراتيين إنه من الأفضل أن لا تقوموا بالعملية، لكننا سندعمهم إذا أقدموا عليها” (3).