الخبر وما وراء الخبر

بين مدينتين

98

 بقلم/ هاشم أحمد شرف الدين


 

تمثل المدينةُ التي تتعرَّضُ لأول استهدافٍ من قبَل عدوان ما على بلد ما الهدفَ الرئيسي له، وتعتبر سيطرتُه عليها حسماً لمعركته وإحرازاً للنصر والعكسُ صحيح، فعجزُه عن السيطرة عليها هو تأكيدٌ على الإخفاق، ومؤشرٌ على هزيمته..

لقد كانت صنعاء أول مدينة يمنية استهدفها العدوان السعودي الأمريكي الإسرائيلي في 26 مارس 2015م، ومنذ ذلك التَّأريخ تعرضت المدينة لغارات عديدة يومياً وقصف مكثف بقنابلَ محرّمة دولياً وصواريخ شديدة التدمير.

لكنها خلال الأسبوعين الأخيرين شهدت تراجعاً ملحوظاً في عدد الغارات التي تتلقاها، فأصبح السؤالُ الأكثر تداولاً لدى ساكنيها هذه الأيام هو:

ما السرُّ وراء ذلك؟

ثمة مَن سيقول إن العدوان قد استنفد بنكَ أهدافه فيها، ولم يعد بحاجة لقصفها مجدداً..

ثمة من يقول إن الأمر عائدٌ إلى حرَج كبير لدى قيادات العدوان أمام المراقبين العسكريين في العالم؛ لكثرة استهداف المواقع ذاتها عشرات المرات دونَ التمكُّن من تحقيق هدفها المعلَن، وهو القضاءُ على القدرات الصاروخية للجيش اليمني.

وثمة مَن يقول إن النظام السعودي بات يدرك أنه وقع في شرَك “حرب استنزاف” كبّدته أرقاماً مالية فلكية كتكاليف لعدوانه على اليمن، وقادت إلى حدوث هزات في مؤسساته المالية.

وثمة منَ يقول إن الأمم المتحدة قد فرضت عليه وقْفَ غاراته على صنعاء لتمكين طلابها من الالتحاق بمدارسهم الذين حُرموا منها نصفَ عام دراسي مضى وشهر ونصف خلال هذا العام.

ستكثُــرُ الأقوال في هذا الاتجاه الذي يرى من منظور العدو، لكننا نبقى أمامَ حقيقة واحدة إذا ما نظرنا من منظور أي مراقب موضوعي لمجريات العدوان وما يقابلها من صمود..

هذه الحقيقة هي أن هزيمةَ العدوان لاحت في الأفق، وأن اليمنيين قد نجحوا في استخدام سلاح الصبر وتوظيف قدراتهم المحدودة ليس فقط في التمكُّن من الدفاع عن وطنهم وعن عاصمته صنعاء، بل ومهاجمة العدو وإسقاط مواقعه العسكرية وصولا إلى اقتحام أول مدينة من مدنه والسيطرة عليها تماماً..

تأملوا المفارقة بين المدينتين صنعاء والربوعة..

صنعاء المدينة اليمنية الأولى التي استهدفها العدوان الذي ما فتئ يعلن عن تحركه لإسقاطها خلال بضع ساعات لم تسقط، فيما الربوعة المدينة الأولى التي استهدفها الجيش اليمني واللجان الشعبية، سقطت..

صمدت صنعاءُ على الرغم من تعرضها لأقوى القنابل وأعتى الصواريخ، فيما انهارت الربوعة بذخيرة البنادق والبوازيك..

صمدت صنعاءُ أكثرَ من سبعة أشهر، فيما انهارت الربوعة في نصف نهار..

صمدت صنعاءُ رغم تعرضها لقصف أكفأ الطيارين الحربيين بمن فيهم الأمريكيون والاسرائيليون، فيما انهارت الربوعة أمام عدد محدود من أبناء الجيش اليمني واللجان الشعبية..

إن مفارقةَ صمود صنعاء وسقوط الربوعة المدهشة لَتحمِلُ مؤشراتِ بشائر انتصارات أكبر، لن يكونَ للعدو إزاءها سوى التقهقر يوماً بعد آخر، للانكفاء على مدنه، وعدم التفكير في شن غارات على صنعاء أو غيرها من المدن والمناطق في اليمن، ما لم فإن هذا العدو سيباتُ ويصحو على نيران الخيارات الاستراتيجية المتأججة في عمق أراضيه.

وإن غداً لناظره قريب..