الخبر وما وراء الخبر

الدعم الإسرائيلي لـ “السعودية النووية”… تحول تكتيكي أم استراتيجي؟

64

في الأيام الأخيرة، أعلن وزير الطاقة الصهيوني، يوفال شتاينتز، أنه يمكن للسعودية أن تنضم إلى نادي البلدان التي لديها التكنولوجيا النووية في حال قبولها لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، هذا المسؤول الإسرائيلي قال في مؤتمر عالمي للغاز يعقد في واشنطن أن “إسرائيل تدعم تطوير محطات الطاقة النووية في السعودية، بشرط أن تفي بالمعايير الذهبية لمنع انتشار السلاح النووي على أن تشتري اليورانيوم من أمريكا”. وهنا يرى محللون أن هذا الشرط من ناحية يظهر حساسية وأهمية القضية النووية السعودية في الاستراتيجية الأمنية الصهيونية، ومن ناحية أخرى يشير أيضاً إلى اعتدال الموقف الإسرائيلي تجاه السعودية والأسرة الحاكمة خاصة بعد الجهود الجبارة التي تبذلها السعودية في سبيل تحقيق التطبيع مع الكيان الإسرائيلي وإجبار الفلسطينيين على القبول بصفقة القرن.

وضعت الحكومة السعودية خططاً طموحة لتطوير صناعتها النووية، ووفقاً للمرسوم الملكي الذي أصدره الملك عبد الله عام 2010، أنشأت السعودية مركزاً للأبحاث يعنى بالطاقة النووية والطاقة المتجددة (KA-CARE) في الرياض وذلك تلبيةً لاحتياجات الطاقة والمياه في البلاد، وفي عام 2011 أعلن معهد الأبحاث أن هدف السعودية هو بناء 16 مفاعلاً نووياً لإنتاج حوالي 20 بالمئة من استهلاك الكهرباء بحلول عام 2032، وتحقيقاً لهذه الغاية، وقّع السعوديون اتفاقيات تعاون نووي مع العديد من الدول، بما في ذلك فرنسا والأرجنتين وكوريا الجنوبية وكازاخستان، وجاء الإعلان عن الاتفاق على أن مرحلة التشغيل تبدأ بحلول عام 2040، وبعد وصول محمد بن سلمان إلى ولاية العهد السعودية، عمل على إدخال أمريكا في هذه اللعبة، وخلال زيارته إلى أمريكا في مارس الماضي شدد ابن سلمان خلال لقائه المسؤولين الأمريكيين على ضرورة الإسراع في عملية قبول حصول السعودية على التكنولوجيا النووية وتخصيب اليورانيوم على أراضيها.

وعلى الرغم من المحادثات السعودية مع واشنطن، فالواقع يقول إنّ هناك لاعباً مؤثراً يمنع حصول الرياض على التكنولوجيا النووية وهو الكيان الصهيوني، إذ يحاول دائماً الحفاظ على التفوّق العسكري الاستراتيجي في المنطقة من خلال احتكار الأسلحة النووية، وبالنظر إلى هذه الحقيقة، فإن السؤال المطروح الآن هو: هل مواقف ابن سلمان حول تطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي ومحاولاته الجاهدة لإنجاح صفقة القرن وغضّ النظر عن مصالح المسلمين الفلسطينيين لمصلحة الصهاينة هي التي دفعت الكيان الإسرائيلي إلى العدول عن رأيه بعد أن كان يرفض تماماً أن تصبح السعودية دولة نووية؟

الدعم المعلن والمعارضة الاستراتيجية

خلال الأشهر القليلة الماضية، دخلت العلاقات الصهيونية الخليجية مرحلة العلن بعد أن كانت تتسم بالسرية، وخاصة السعودية التي تسارع من بين الدول العربية إلى الفوز بعلاقاتها مع الكيان الإسرائيلي، وتسعى تل أبيب من خلال هذه العلاقات إلى الخروج من عزلتها الجيوسياسية، وتطمح أيضاً إلى إنهاء القضية الفلسطينية، والحصول على الشرعية الدولية بوجودها وحكمها المطلق للأرضي الفلسطينية، ومن هذا المنطلق لا تمانع تل أبيب من حصول الرياض على التكنولوجيا النووية وذلك ضمن شروط تمنعها من الحصول على القنابل والصواريخ النووية وذلك كبادرة حسن نية من أجل دفع السعوديين في عمليتهم التطبيعية مع الكيان العبري، وعلى هذا الأساس قبل وزير الطاقة الإسرائيلي حصول السعودية على الطاقة النووية بشرط عدم تخصيب اليورانيوم على أراضيها وشرائه من أمريكا.

وبالرغم من التقارب السعودي الإسرائيلي الأخير، إلا أن الموقف الأخير لوزير الطاقة الإسرائيلي لا يلبي طموحات السعودية النووية، وعلى هذا الأساس يؤكد السعوديون على أهمية تخصيب اليورانيوم داخل الأراضي السعودية لتحقيق التوازن مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إضافة إلى تسريع عملية التطبيع بين الرياض وتل أبيب، هذه القضايا أكد عليها جميع الملوك السعوديين إلا أن التاريخ يظهر فشلهم في تحقيق ذلك.

وأشار محمد خليفي، دبلوماسي سعودي سابق فرّ إلى أمريكا في تسعينيات القرن الماضي، إلى أن اهتمام السعودية بالأبحاث النووية يعود إلى فترة الستينيات كما أن البرنامج النووي السعودي بدأ منذ أواخر السبعينيات. وقال إنه في عام 1977، أنشأت الرياض مركزاً نووياً يعرف باسم مركز الملك عبد العزيز العلمي والتقني (KAACST)، وبعد عقد من الزمن، وفي عام 1988، أنشأ الملك معهداً للأبحاث حول الطاقة الذرية يعرف باسم (AERI) وأجرى أبحاثاً حول التطبيق الصناعي لنظائر الإشعاع والطاقة النووية والمفاعلات النووية والمواد النووية والحماية من الإشعاع، ووفقاً للوثائق العربية و”الإسرائيلية” بعد حرب 1973، بدأت السعودية برنامجاً سريّاً بمركز الحار للأبحاث النووية في منشأة عسكرية بعيدة قرب مدينة “السوايه ييل” جنوب غرب الرياض.

من ناحية أخرى، هناك أسباب عديدة للهرولة السعودية نحو التكنولوجيا النووية وهي كالتالي:

1-الضعف العسكري للسعودية ونقاط ضعفها الجيوسياسية.

2-مساحة السعودية التي تبلغ أكثر من 800000 ميل مربع.

3-عاصمتها الرياض تقع وسط البلاد، ولكن موانئها الاقتصادية والتجمعات السكانية موجودة على سواحل الخليج الفارسي والبحر الأحمر وهي معرضة للخطر الكبير من أي عدو محتمل.

4-المنشآت النفطية التي توفر أعلى الإيرادات للبلاد، هي أهداف ضعيفة يمكن تدميرها بسرعة من خلال الضربات الجوية أو الهجمات البحرية.

5-ثلاث سنوات من الفشل في حرب مع بلد صغير مثل اليمن، والذي لا يمكن مقارنته مع قوة السعودية التي تحظى بالدعم الأمريكي البريطاني.

ختاماً.. يمكن القول إنه بالرغم من عمليات التطبيع والتقرب التي يقوم بها آل سعود مع الصهاينة ووقوفهم أمام المصالح الفلسطينية، لن يرضى الكيان الصهيوني أبداً حصول الرياض على التكنولوجيا النووية وإنتاج الوقود النووي على أراضيها، وذلك لأسباب عديدة من بينها المستقبل الغامض للحكومة السعودية في شبه الجزيرة العربية، وسيكون هذا الموقف بمثابة مطبّ كبير أمام المساعي التي يقوم بها المسؤولون السعوديون وبالأخص ابن سلمان من أجل الحصول على الرضا الأمريكي في أن تصبح السعودية نووية.