الخبر وما وراء الخبر

لا يجوز أن تكون عمليّة الإنفاق، وسيلة من وسائل كسب الولاءات، وشراء المواقف.

84

أيضاً أن يكون المبتغى والمقصد من الإنفاق سليماً، أن تنفق ابتغاء مرضات الله، فعندما تعطي الفقير، وعندما تقدم إلى اليتيم، وعندما تنفق في أي مورد من موارد الإنفاق، يكون قصدك ونيتك وهدفك هو رضى الله، ولا شيء غير رضى الله سبحانه وتعالى {وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى}(الليل:19-21)، وعلى قاعدة {لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا}(الإنسان:9) هذا شيء أساسي إذا انطلق الإنسان لأهداف يريد من خلالها أن يحقق مكاسب سياسية أو شخصية أو أي اعتبارات أو يكسب ولاءات لما هو عليه لنفسه، فهذا خطأ، والله سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}(البقرة:265).

إذا الإنسان قدم ما يقدمه يريد به وجه الله، يبتغي مرضات الله، لا يريد جزاء ولا شكوراً ولا ينتظر ممن قدم له أي شيء، أي موقف، أي عمل، أي شكر، أي مديح، أي ثناء، أي شيء على الإطلاق، عندما قدم ما قدم له لم يكن ينتظر منه شيئاً ولا يريد منه شيئاً، ما يريده ما ينتظره هو من الله، وأنعم به، وأنعم به.. ما ستحصل عليه من الله الشيء العظيم.

ولذلك عندما نلحظ كيف تستغل عملية الإنفاق، خصوصاً في هذا الزمن كوسيلة من وسائل كسب الولاءات، شراء المواقف، ما سمعنا عن بعض الأحزاب في هذه الأيام يوزع أكياس من القمح في بعض المحافظات الجنوبية، يوزع كيسين من القمح مع استمارة عضوية، يعني هو يسيء إلى من يقدم له، عندما تقدم للإنسان شيئاً سواء طعاماً، مالاً، كسوة، أي إحسان، أي مال، تقدمه ثم أنت في نفس الوقت تريد أن تشتريه هو، وهذا إرخاص إرخاص كبير، تريد أن تشتري إنسان بكله بكيسين من القمح، ولاءاته، مواقفه، انتماءه السياسي، ولعلك تنتظر منه في المستقبل حتى أن يقاتل معك، هذا الأسلوب الذي تعتمد عليه الكثير من القوى السياسية، والكثير من الجهات التي لها نفوذ، تعمد إلى استغلال المال من خلال جمعيات أو بشكل آخر أو مؤسسات أو بأي طريقة، لكنها تعتمد في إنفاقها المعايير السياسية، ويصبح من المعروف أن من تقدم له تلك الجمعيات أو تلك المؤسسات، أو تلك الجهات، أو تلك القوى، أو تلك الأحزاب شيئاً فإن عليه مقابل ما أعطوه له أن يقف معهم مواقف سياسية بغض النظر سواء كانت حقاً أم باطلاً، المهم أن يقف معهم، هم يعني يحولون ما يقدمونه من مال ليس إلى مال يدخل في دائرة الإنفاق ولكنه في دائرة الشراء، الإنسان يُشترى، تُشترى مواقفه، تشترى توجهاته، وأحياناً حتى مبادئه ويفرض عليه مبادئ معينة أو توجهات معينة، أو عقائد معينة، أو أفكار معينة، هذا شيء يسيء إلى مجتمعنا المسلم، ويمثل خطورة داخل مجتمعنا المسلم.

عندما يروض الناس على أن يكونوا هكذا رخيصين، في توجهاتهم ومواقفهم مرهونة بطعامهم، مرهونة بما يقدم إليهم، هذا شيء سيء جداً لا يريده الإسلام، الإسلام يرسخ في أنفسنا كمسلمين أن يكون امتناننا لله، فيما نعطى، فيما يرزقنا الله، فيما من علينا من نعمة، في طعامنا، في شرابنا، في الموارد التي منحنا الله إياها لأرزاقنا في الحياة، أراد الله أن يكون الإمتنان له وحده ولا يكون لعباده، ولا تكون وسيلة للتأثير على المواقف والتوجهات وما إلى ذلك.

ولذلك لصالح الكثير من التجار ألا يعتمدوا على بعض الجمعيات والمؤسسات للإنفاق من خلالها؛ لأنها تصبح مستغلة سياسياً، ومستغلة لفرض ولاءات ومواقف معينة، والبعض منها يكون باطلاً، وهي استرخاص للإنسان، أيضاً الإعتماد على هذه الوسيلة يقلل ولا يحقق ما يتعلق بالروابط الاجتماعية، العطاء المباشر له ثمرة أنه يعزز من الروابط الإجتماعية، لكن العطاء عن طريق جمعيات مسيسة، مؤسسات مسيسة، جهات وقوى سياسية تربط ما تقدمه بمواقفها بتوجهاتها السياسية، هذا يؤثر سلباً، يؤثر سلباً، ولا يعد الفقير يشعر بأنما وصل إليه هو من التاجر الفلاني ومن الشخص الفلاني، فتبقى الروابط بين أفراد المجتمع وبين أبناء المجتمع روابط قوية، يحس بأنما وصل إليه هو من ذلك الحزب، من تلك الجمعية، أو من تلك الجهة، فلا تبقى الروابط بين أفراد المجتمع المسلم بالشكل المطلوب.

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

من محاضرة السيد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي

بعنوان: الإنفاق

بتاريخ: 14 رمضان 1433هـ.